التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السماحة من ميزات الناس الطيبة


الله يغفر و يمحو و يستبدل خطاياك بحسنات بينما الناس قدرتهم على العفو ضعيفة خاصة إذا شعروا أن الخطأ الذي ارتكبته يمس ذاتهم و يستنقص منها.
لربما أن الله عز وجل على سعة علمه كانت رحمته واسعة و مجال عفوه فسيح، فهو يعلم أن للخطأ الذي ارتكبته دوافع كثيرة منها ضعفك البشري و تركيبة ذاتك الهشة و الزوابع التي تعصف بك و تدفعك نحو ما حرم.
لكن هو لا يغفر للمتكبر لسببين:
أولاً لأن المتكبر لا يعترف بتقصيره و يظن أن ما يفعله حق و لا يستشعر أي تأنيب ضمير.
ثانياً لأن المتكبر دائماً يقع في ظلم و ظلمه له ثلاث دوائر:
ظلم نفسه بأن عظمها و قدسها.
ظلم غيره و أصابه بأذى و وجع.
و ظلم ربه بأن نازعه بصفة لا يمتلكها سواه عز وجل.
أما بالنسبة للبشر الذي اخطأت بحقهم يجدون صعوبة بتجاوز الخطأ لأن تفسيراتهم لدوافع الخطأ تخضع لمعيار واحد ... أنه استنقاص من حقهم و قدرهم.
لو علمنا أن الأخطاء التي يرتكبها من نعرفهم بحقنا أن لها دوافع كثيرة و ليس بالضرورة تكون استنقاص بنا أو سوء فيهم. لاستطعنا أن نعفو و نتجاوز و نصفح.
و هذه دعوة لي و لكم أن تعفو عمن ارتكب بحقكم خطأ خاصة إن كان هذا الشخص عزيز أو قريب فلربما جبرته الظروف و دفعته نوازع عديدة لارتكابه.
و من الجيد أيضاً أن نعرف متى نتجاوز و نصفح و ننهي العلاقة أو نبقى و نستمر بالعلاقة.
فالإنسان الذي أخطأ بحقنا و وجوده يسبب مشاكل رئيسية في حياتنا كأن يجعلنا نخسر تقديرنا لذواتنا أو يضعف علاقتنا بالله و الدين أو يجعلنا نخسر دنيانا وطموحنا فيها.
فهذا النوع يجب بصورة حتمية أن نكف عن الاستمرار معهم مهما ربطتنا بهم روابط عميقة. و بعد أن نقطع العلاقة لا ننسى أن ننسى و نعفو و نتجاوز مع الاصرار على عدم الاستمرار بالعلاقة.
لكن الأشخاص الذين وقعوا بخطأ و نظن فيهم خيراً فلا بد أن ننبههم بما ارتكبوه و ما سبب لنا من أذي و من ثم ننسى و نعفو و نستمر معهم مع ضمان عدم المعاودة على ارتكاب الأخطاء.
و نكون عون لهم و نساندهم بمنع الأسباب التي دفعتهم للخطأ فلا يصح أن نكون سذج و لا ذو ظلم و غلظة فبالأخير نحن بشر و قد يبدر منا بحق غيرنا ما بدر منهم بحقنا.
و لنعلم أن الله شدد في كثير من مواضع القرآن على معاني العفو و الصفح لما له من دور كبير في استمرار الحياة الاجتماعية بصفاء و سلام دون منغصات.
و في الأخير أدعوكم و أدعو نفسي أن نعتاد على التماس العذر لمن نتعامل معهم بشكل يومي فمعظم من يقع في خطأ ليس بالضرورة يكون سيء و قاصد لإيذائنا.

جمعتكم عفو.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع