التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ما بين الحكمة والقوة

 

ما بين الحكمة والقوة

أندر وأغلى مورد في العالم اليوم هو الحكمة، ستزدهر الدول والشركات والأشخاص الذين لهم نصيب جيد منها. من نواح عديدة الحكمة هي عكس القوة. تنفق الدول مليارات الدولارات لتحصل على القوة إلا أنها تحقق لها القليل من القيمة لو ما قارنا القيمة التي تصنعها الحكمة.

معظم الناس لديهم قيم، عبارات غامضة مملة لا معنى لها فعلياً حول ما هو مهم بالنسبة لهم، القيم بالطبع هي أساس حكمة الإنسان، لذا أول عناصر امتلاك الحكمة أن تكون لديك قيم واضحة منسجمة مع المبادئ الكبرى في الحياة. إذا امتلك الإنسان القوة بلا قيم فلا حدود للدمار الذي سوف يخلفه في الحياة، وإذا امتلك القوة مع القيم أصبحاً حكيماً باستخدام القوة التي سخرت له، بل أنه قد يستخدمها في تحقيق المنافع والخير للناس.

الحكمة تساعدك على تحقيق أقصى النتائج بأقل قدر من التكاليف، بينما القوة تجعلك تحقق أدنى النتائج بأعلى قدر من الخسائر. يستخدم الناس القوة لردم الفجوة بين الواقع المعاش والواقع المأمول، مع الاستمرار باستخدام المزيد من القوة تتسع الفجوة، الحكمة تستدعي استخدام أفضل الممارسات، وتعمل على تحقيق التغيير مع الموازنة بين الاحتياجات المختلفة حتى لا يحدث انحراف يزيد من اتساع الفجوة، وأول ما تدعو إلى التركيز عليه هو احتياجات ومصالح الآخرين حتى لا تتقاطع معها فتحدث مقاومة عنيفة تُفشل مشروع التغيير.

القوة تنتهج مبدأ التنفيذ بصرامة من خلال أهداف معيارية يتعين الوصول إليها، بينما تتطلب الحكمة مساحة للتجربة والفشل، حتى يجد الإنسان طريقاً مناسباً لتحقيق ما يريد.  القوة هي تطبيق العنف، الحكمة هي تطبيق الحب، القوة تقمع، لكن الحكمة تحاول تحقيق التوافق والملائمة. تسعى الحكمة إلى ابتكار أفكار ومفاهيم وحلول جديدة. بينما تبحث القوة عن أسلحة.

القوة تسعى إلى هزيمة الخصوم والمنافسين بأي طريقة، إلا أن معارك الحكمة تقف على حدود لا ضرر ولا ضرار، والحد الأدنى يقف عند عدم المساومة على المبادئ، فبخسارة المبادئ تنهزم الذات. القوة تركز على الربح، الحكمة تركز على القيمة، القوة تركز على الفعل، الحكمة تعني الوجود الفعال. القوة تحقق أهداف ناقصة الفضيلة، لكن الحكمة خالدة بالخير الذي تسعى لتحقيقه.

إذا لم تستطع أن تتعلم كل يوم شيء نافع فأنت تفتقر إلى الحكمة، فأحد معاني الحكمة الحقيقية تتمثل بالتعلم المستمر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع