و نبدأ رحلتنا في
الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها
تفسد.
لو دخل الإنسان
فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب
له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح.
و النية أكثر ما يجب
على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء:
وَقَدِمْنَا إِلَىٰ
مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا.
قل لمن لا يخلص: لا
تتعب.
يقول الله في الأثر: عبدي
طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك.
الله يعاملنا بما وقر
في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و
لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا
يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية .
و النية: التوجه
الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً
للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب
النوايا: عمل ما يجب بحب.
قال الله تعالى: (منكم
من يريد الدنيا و منكم من يريد الآخرة) و هذا توكيد على أن إرادة الإنسان لها بعض السطوة
و النفوذ. و قال في موضع آخر: (من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوفِ إليهم أعمالهم
فيها و هم فيها لا يبخسون).
فالجزاء بناءً على ما
تشير إليه الآيات مرتب على الإرادة و المراد فخبرني ما مرادك و أين تصوب نيتك؟.
إن امساك المرء عن
المفطرات بداعي العادة و الاشتغال دون نية القربة ، لم يكن صائماً.
يتنوع جزاء العمل
الواحد بتنوع نيته. كما في الحديث:
إنما الدنيا لأربعة
نفر: عبد رزقه االله مالا وعلما٬ فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه٬ ويعلم الله فيه
حقا٬ فهذا بأفضل المنازل٬ وعبد رزقه االله علما ولم يرزقه مالا٬ فهو صادق النية٬
يقول: لو أن لي مالا لعلمت بعمل فلان٬ فهو بنيته٬ فأجرهما سواء.
فأجر الفقير العالم
مساوي لأجر الغني العالم، رغم أن الأول لم ينفق شيئاً فقط نوى.
و تدخل النية في ألفاظ
الطلاق صريحها و كنايتها، ينوي بها الطلاق فيكون ما نواه، و ينوي به غيره فلا
تطلق.
و مع تأثير النية في
كل تلك المجالات اتفق العلماء أنها لا تؤثر في الحرام، فحسن النية و شرف القصد في
ارتكاب محرماً لا يحله حلالاً و لا ينزع منه صفة الخبث التي هي أساس تحريمه. فمن أكل ربا بنية أن يبني به مسجداً أو ينشئ
داراً لكفالة اليتامى فإن هذه النية الحسنة لا قيمة لها و لا تخفف عنه وزر الحرام
فإن الله طيباً لا يقبل إلا طيبا.
في الحديث: "إن
االله لا يمحو السيئ بالسيئ٬ ولكن يمحو السيئ بالحسن٬ إن الخبيث لا يمحو
الخبيث".
وقال يحيى بن
أبي كثير: تعلموا النية٬ فإنها أبلغ من
العمل. و لكن الإخلاص عزيز.
فلنجدد نيتنا و
لنجعلها خالصة لله عز وجل فكل عمل يفنى و يتلاشى، و لا خير في شيء لا يدوم.
و ختاماً: لم أرى
عجزاً في البشر كالعجز عن النية!
اللهم إني استغفرك
مما تبت إليك منه٬ ثم عدت فيه. و استغفرك مما جعلته لك على نفسي٬ ثم لم أف لك به.
و استغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك٬ فخالط قلبي منه ما قد علمت.
لاحرمك الله السعادة استاذي❤
ردحذفلاحرمك الله السعادة استاذي❤
ردحذفحفظك الله يا معن
ردحذفمتألق ومتميز دائما. ... ربنا يوفقك
ردحذف