التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سلامة النية - أول يوم إرادة


و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد.
لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح.

و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء:
وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا.

قل لمن لا يخلص: لا تتعب.

يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك.
الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية .
و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب.

قال الله تعالى: (منكم من يريد الدنيا و منكم من يريد الآخرة) و هذا توكيد على أن إرادة الإنسان لها بعض السطوة و النفوذ. و قال في موضع آخر: (من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوفِ إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون).
فالجزاء بناءً على ما تشير إليه الآيات مرتب على الإرادة و المراد فخبرني ما مرادك و أين تصوب نيتك؟.

إن امساك المرء عن المفطرات بداعي العادة و الاشتغال دون نية القربة ، لم يكن صائماً.

يتنوع جزاء العمل الواحد بتنوع نيته. كما في الحديث:
إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه االله مالا وعلما٬ فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه٬ ويعلم الله فيه حقا٬ فهذا بأفضل المنازل٬ وعبد رزقه االله علما ولم يرزقه مالا٬ فهو صادق النية٬ يقول: لو أن لي مالا لعلمت بعمل فلان٬ فهو بنيته٬ فأجرهما سواء.
فأجر الفقير العالم مساوي لأجر الغني العالم، رغم أن الأول لم ينفق شيئاً فقط نوى.

و تدخل النية في ألفاظ الطلاق صريحها و كنايتها، ينوي بها الطلاق فيكون ما نواه، و ينوي به غيره فلا تطلق.
و مع تأثير النية في كل تلك المجالات اتفق العلماء أنها لا تؤثر في الحرام، فحسن النية و شرف القصد في ارتكاب محرماً لا يحله حلالاً و لا ينزع منه صفة الخبث التي هي أساس تحريمه.  فمن أكل ربا بنية أن يبني به مسجداً أو ينشئ داراً لكفالة اليتامى فإن هذه النية الحسنة لا قيمة لها و لا تخفف عنه وزر الحرام فإن الله طيباً لا يقبل إلا طيبا.
في الحديث: "إن االله لا يمحو السيئ بالسيئ٬ ولكن يمحو السيئ بالحسن٬ إن الخبيث لا يمحو الخبيث".

وقال يحيى بن أبي  كثير: تعلموا النية٬ فإنها أبلغ من العمل. و لكن الإخلاص عزيز.

فلنجدد نيتنا و لنجعلها خالصة لله عز وجل فكل عمل يفنى و يتلاشى، و لا خير في شيء لا يدوم.
و ختاماً: لم أرى عجزاً في البشر كالعجز عن النية!

اللهم إني استغفرك مما تبت إليك منه٬ ثم عدت فيه. و استغفرك مما جعلته لك على نفسي٬ ثم لم أف لك به. و استغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك٬ فخالط قلبي منه ما قد علمت.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع