التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الكراهية الجميلة


هل الكراهية مذمومة في كل صورها ؟
في اوقات كثيرة تغتص قلوبنا بكراهية اشياء و مواقف و اشخاص و لأسباب عديدة و قد تكون وجيهة و صحيحة, و الكراهية شعور ناتج عن الغضب مع وجود عجز عن تغيير ما وقع لنا من مكاره و نريد ازالته و يسبب لنا وضع مزري و شعور بالأسى و القهر.
و جميعنا يعلم الصورة القبيحة للكره و التي تؤدي دوماً للكثير من المشاكل و المشاحنات و المآسي التي تحدث للناس في كثير من الأزمان .. و هل يقتل الإنسان أخيه الإنسان إلا بدافع البغض و الكره.
و الكراهية : الحقد و الغضب و المقت و هو مدعاة للنفور و الاشمئزاز.
و ذكر الله عز وجل الكراهية في واحد و أربعين موضع و لو تتبع القارئ ورود الكلمة لوجدها تدور في معنى ما يفعل دون موافقة القلب و استحباب النفس.
و بكل تأكيد أن ليس كل مكروه للنفس فيه الشر لها و ليس كل محبوب للنفس فيه الخير لها.
و لكن هنا اريد ان اتحدث عن معنى جميل من معاني الكراهية و المتمثل بوضوح في هذه الآية:
(كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ )
و هذا لا يكون الا لمؤمن نقي قلبه بلا ران صحيح البصيرة لم يعمهِ الهوى.
و الكثير من الفضائل الجليلة تتحقق من خلال كراهية الباطل و الظلم و البغي و الكثير من المساوئ التي تدمر حياة الانسان على وجه الأرض.
كراهية الظلم و الغضب منه أمر جيد فنحن عندما نكره شيء نفر منه و نُجبر على التصرف مستجيبين لهذا الشعور، و انظر لحركة النضال من أجل الحقوق و الحرية و تحقيق المساواة في تاريخ البشر، ستجد أن الغضب للحق و كراهية الظلم كان هو الدافع الأول للتحرك السلمي، فبدون الكراهية و مقت الظلم لا يتم تصحيح الأخطاء.

و حتى تكون الكراهية جميلة علينا أن نعي المعاني التالية:
1. يجب أن تظل الكراهية مجرد شعور متفاوت و لا تتحول لسلوك ثابت نمارسه مع الناس فيؤدي للعنف و البطش و القوة المفرطة.
2. يجب أن تكون الكراهية مسلطة على السلوك الخاطئ الذي يمارسه البشر و ليس على البشر فنحن نكره سلوكهم الخاطئ و لا نكرههم.  
3.لا يجب أن نفرط في أي حالة شعورية كانت حب أو كراهية فقد ينقلب الحال و يصبح المحبوب مبغوض و المبغوض محبوب
4. يجب أن نكره السلوك السيء و لو صدر من محب و أن نحب السلوك الحسن و لو صدر من عدو.
5.يجب أن لا نكره من حارب مصالحنا الغير سوية فبذلك احقاق للحق و رعاية لمصالح الجميع.

إن غياب الكراهية تماماً من حياتنا يجعل للكثير من المساوئ في مجتمعاتنا مكانة و وجاهة في قلوب الناس و هذا ما لا يصح في البيئات السوية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع