التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كيف تسيطر على مشاعرك


المشاعر بنات الأفكار كما يقال و لكن في كثير من الأحيان تعترينا مشاعر غريبة لا أصل لها في عقولنا تُحتِّم علينا التصرف بطريقة تخالف منطق العقل و الفكر... ماذا يجري؟
تمتلك علاقة قوية و جيدة مع بعض الأشخاص و تدرك مقدار اخلاصهم و حبهم لك و لكن تمر عليك مواقف تشعر فيها بعدم ارتياح فيتحول تعاملك معهم من الإيجاب إلى السلب و تتوتر العلاقة و تحدث نزاعات تهدد استمرارية ما يجمع بينكم.
و يقول العلم أن الشعور إدراك بلا دليل.
و المشاعر تحاول أن تقول لك شيئاً أنت لا تراه و لا تجد له أي دواعي، كأن توقف عن فعل كذا و افعل كذا دون ادراك واضح لأسباب ذلك، فقد تدفعك مشاعرك للتوقف عن فعل شيء ما لشعورك بعدم الارتياح أو فعل شيء ما لشعورك بدافع قوي لفعله.
إن للمشاعر سطوة على الإنسان و انظر كيف تفعل مشاعر الحب و البغض بالإنسان و كيف تتحكم بتصرفاته. فقد تدفعك مشاعر الحب إلى التضحية بكل شيء في حياتك من أجل من تحب و قد تجعلك مشاعر البغض أن تقتل و تخسر دنياك.
و السؤال المهم هل يستطيع الإنسان أن يتحكم في مشاعره؟
دعونا نجرب ذلك.
أولاً : حدد نوع المشاعر التي تعتريك
يجب علينا قبل كل شيء أن نجد مفردات دقيقة لوصف المشاعر التي تتغلل فينا فمن الآن و صاعداً إذا شعرت بشيء فتوقف قليلاً و حاول تسميته بدقة، نعم ذلك ليس بالهين لكن تكرار المحاولة سيجعلك أكثر قدرة على وصف مشاعرك.
و سأقدم لكم هنا التصنيفات السبعة للمشاعر الانسانية :
الغضب – الحزن – القلق – البغض – الحب – السعادة – الامتنان
و تحت كل تصنيف تندرج الكثير من المشاعر التي قد تُشعلها الأحداث و المواقف المختلفة.
ثانياً: تعرف على أسباب المشاعر  التي تعتريك
إن المشاعر تنتج عن الأحداث و المواقف التي تحدث لك و تنتج أيضاً من طريقة تفسيرك لهذه الأحداث.
إن المخزون الخبراتي الذي تشكل في الزمن القديم ينحت في الدماغ رموز ذو معنى يستخدمها الدماغ لتفسير الحوادث التي يجابها في المستقل، فعند حدوث أمر ما يلجأ العقل للتفتيش عن فهم هذا الموقف فتمده الذاكرة بتلك التفسيرات المرمزة في الدماغ، و مثال على ذلك إذا مرّ أحمد بتجارب قاسية في الماضي جراء وقوعه ضحية خداع كبير من أحد الاصدقاء الذي كان يدعي حبه و يتملق له لمقاصد غير شريفة و اكتشف ذلك متأخراً, سنجد أحمد يفسر كل التجارب الجديدة وفق مخزون الألم هذا و لو جد من يتودد له لشكك في نواياه.
و معرفة أسباب المشاعر يفيد أيضاً في تخفيف حدة المشاكل مع من حولك، فقد تفسر تصرفات شريك عمرك العدوانية على اساس أنها من دافع الغضب منك أو كرهك و قد يكون دافعها الحزن و الشعور بالنقص، أو قد تفسر كثر اسئلته عن ما تفعله أنه من دافع الشك و عدم الثقة و قد يكون من استشعاره بأنك لست له أو الخوف من فقدانك.. و هكذا إذا عرفت اسباب المشاعر و تعاملت التعامل المناسب معها سيجنبك الكثير من المشاكل.
إذا حددت نوعية المشاعر و أسبابها و وصفتها بدقة ستوفر على نفسك الكثير من الجهد و التعب في حل الكثير من المشاكل التي تحدث لك مع نفسك و مع الآخرين من حولك.
ثالثاً: عبر عن مشاعرك بوضوح
قمع المشاعر يؤدي إلى نتائج عكسية على عكس ما يتوقع الجميع فذلك يجعلها تعمل ضدك لا في صالحك أو كما تريد.
و لا يمكن لإنسان على الإطلاق قتل مشاعره و ازالتها و لكن من النافع جداً أن يتمكن من ادارتها و توجيهها بالشكل الصحيح و أن لا يجعلها تتحكم به فغالباً المشاعر متطرفة . و مشاعرك هي نظام التوجيه الداخلي لك و تصبح أكثر فاعلية عندما لا تحاول محاربتها.
و التعبير عن المشاعر بوضوح طريق جيد للتحكم فيها, فإذا أزعجك زميل و كتمت ذلك عنه و تكرر الازعاج فسيتحول الانزعاج إلى بغض يصعب السيطرة عليه.  و إذا لم تستطع التعبير عن مشاعرك بالقول أو الفعل فحاول أن تكتبها .. فكثيراً ما كان القلم خير منفس عن اغتياظ النفس و اثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يعبرون كثيراً عن مشاعرهم لديهم قدرة أكثر على فهمها و استيعابها و التحكم فيها.

و قبل أن أنتهي من حديثي عن المشاعر أود أن أؤكد على فكرة مهمة أنك لو غضبت يوماً و اشتد غضبك و خناقك مع أحدهم و إذا بك ترطم رجليك على الجدر و تكسرها أو ترمي هاتفك و يتهشم ... لا تلم غير نفسك.
فأنت بإمكانك أن تتحكم بمشاعرك و جعلها مجرد شعور و لا دخل للحياة أو الناس بتحول مشاعرك إلى سلوك و تصرف.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع