التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تجديد العهد مع الحياة


تمر بالإنسان حالات خمول و انقطاع عن فعل الخير و الأعمال المحببة للذات و التي تجلب منافع و فوائد للحياة و الآخرة و ذلك قد يكون بسبب مرض يصيب الجسد أو تلف يهتك بالروح، و في الحقيقة ان الطموح لا يعيقه مرض الجسد بقدر ما يعطله إنهاك الروح. إن الروح إذا انُهكت عطلت قدرات الإنسان و جعلته بائس حائر معطل عن تقديم شيء. و من هنا تبدأ موارد التعاسة بالتوافد على فؤاد الإنسان و يصبح كئيباً حزيناً و يبدأ يشعر بالعجز أكثر و أكثر، حتى يصبح الاستيقاظ مبكراً من الأماني الذي يتمنى تحقيقها.

و لتجاوز فترات الخمول هذه علينا أن نبدأ بتوصيف المرض و ذكر أسبابه و تقديم حلول تعين على تخطي هذه 
المرحلة بأسرع وقت ممكن.

و المشكلة من وجهة نظري لها ثلاثة أسباب:
غياب وجود أهداف في حياتك و وجود  عادات سلبية ذاتية أصابتك بالضعف و أخيراً مرورك بتجارب سلبية كثيرة في حياتك و الاستسلام للإخفاق.  

دعني أولاً أن أدعوك لعدم القلق إذا كنت ممن تعرض لوعكة الخمول هذه، فطبيعي أن يمر الإنسان في فترات عديدة من حياته بخمول يعطل ذاته، لكن يبقى الأهم مع إدراكنا لطبيعة الحياة أنه لا يجب أن تطول فترات الخمول هذه و إلا ضاع عمر الإنسان هباء و اعتادت النفس عليه و اصبحت خاملة هاملة على الدوام.

ثانياً لا بد أن تضع لك حد أدنى من السلبية تصل إليه في فترات الخمول و لا يصح مهما كان أن تتخطيه، و الحد الأدنى هذا يتمثل في:
عدم ترك فريضة، عدم ارتكاب كبيرة، عدم اكتساب عادة مدمرة للصحة الجسدية و العافية النفسية، و عدم اهمال مصادر الدخل المادية التي تقتات منها.
و هذا يعني أن لا تتهاون بالمساس بالضرورات المتمثلة بالدين و النفس و الحياة.

ثالثاً ضع لك أهداف صغيرة و عاجلة و ابذل ما بوسعك لتحقيقها حتى و إن كانت بسيطة من وجهة نظرك، كأن تستيقظ ليلاً لصلاة القيام و الدعاء، أو أن تحضر دورة تدريبية في أحد مراكز التدريب أو مواقع التدريب الالكترونية، أو أن تصوم يوم تطوعاً، أو أن ترسم لوحة، أو تصل رحمك،  أو أن تنجز معاملات تود من فترة أن تنجزها.
المهم أن تضع هدف و تحققه و تشعر بلذة الإنجاز، فهذا الشعور كفيل بإخراجك من قوقعة التقاعس.

رابعاً لا بد أن يكون لك مساهمة اجتماعية تخدم بها الناس في محيطك، المساهمة هذه قد تكون مشاركة في أعمال تطوعية مع منظمات إنسانية أو مبادرات شبابية، أو نشر فيديو تعليمي في تخصصك على اليوتيوب، أو تأليف مقالة قصيرة تنفع غيرك، المهم أن يكون لك حضور فعال في المجتمع الذي أنت جزء منه.

خامساً اختر أمنية من أمنياتك القديمة و حولها إلى هدف و قسم هذا الهدف إلى أهداف صغيرة (أي ضع له خطة قصيرة و طويلة المدى) و ضع له خارطة طريق لتحقيقه، مثلاً من أمانيك الجميلة أن تحصل على شهادة الماجستير، و أنت الآن مصاب بوعكة خمول، ابدأ بالنظر إلى التخصصات المتاحة و المواد الذي تدرس في كل تخصص، و ادخل على المواقع التي تعينك على اختيار تخصصك المناسب مثل موقع (اكتشاف)، أو احضر دورات على موقع مثل ادراك أو رواق أو أكاديمية عمران في هذا التخصص لتتعرف عليه عن قرب، ثم ابدأ بالسؤال عن الأماكن التي ممكن أن تدرس فيها في منطقتك أو من خلال نظام الدراسة عن بعد.

و في الختام أود أن أقول لك، أن التعاسة تأتي إليك في اللحظات التي وجدت فيها وقت فائض لتضع على نفسك السؤال التالي:

هل أنا خامل؟.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع