التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأسرة الفقيرة



في ليلة وضحاها يصبح المرء منا والد لطفل أو طفلة و نمارس بعدها التربية بالفطرة كما تلقيناها دون أن نتساءل عن مسؤولية أن ينادينا الطفل (بابا أو ماما) و مدى كفاءتنا لأداء هذا الدور على أكمل وجه، فليس كل إنسان جدير بهذا اللقب خاصة مع افتقاره للملكات و المهارات اللازمة للتربية و التوجيه و الاشراف، بل يجب أن يستحي الإنسان أن يكون والداً لطفل و يتفلت من المسؤولية الواقعة عليه اهمالاً و تقصيراً. 
للأسف مفهوم التربية لدى الاباء و الأمهات في الوطن العربي لا يحمل معاني التربية الحقة فقد يجد الطفل الرعاية الجيدة على مستوى الجسد و توفير الطعام و الملبس و المسكن المناسب و لكنه لا يحظى بأي اهتمام على مستوى العقل و الروح و العاطفة و رسم الطموح.
في زمن صعب كهذا يجب أن يمتلك الوالدان مهارات متقدمة في التربية لأن المهمة اليوم أصبحت صعبة و تختلف متطلباتها عن الماضي تماماً, و الشيء المؤسف في هذا الشأن أن الكثير من الاباء و الأمهات يمارسون مهام التربية كما تملي عليهم فطرتهم و تجاربهم الغير ناضجة، و لا يدفعهم حبهم لأطفالهم حتى في التفكير في التعلم و التدرب على أسس و قوانين التربية الحديثة أو أخذ كتاب للتزود بالمعرفة في هذا الخصوص.
دور الوالدين اليوم يتجاوز حدود التربية و يجب عليهم أن يلعبا أدواراً عديدة في حياة أطفالهم، فزمن منفتح كهذا ممكن أن يجعل كل جهود التربية تذهب هباءً فالروافد كثيرة و نوافذ الاختراق عديدة و الطفولة تتقبل أي وارد و الاحتكاك مع العالم الخارجي أصبح ميسراً.
إن الأسرة الفقيرة ليست تلك التي لا تملك المال و لكن هي الأسرة التي يفتقر أطفالها للقدوات و النماذج الحسنة يلتفت الطفل يمنة و يسرة و يجد أمامه رجال بلا مواقف و نساء بلا اهتمامات جيدة و يتشبع بالتوافه التي تفسد خلقه و ذاته و تكوينه النفسي . و يُحرم من معايشة المواقف الممتازة التي تصنع العظماء.
إن أكبر خدمة تقدمها للعالم هي أن تُنجب أطفال عظماء يكون لهم دور فعال في إثراء و بناء المجتمع، و أكبر اساءة تقدمها للعالم هي أن تنجب أطفال سيئين أو تافهين.
و حولنا الكثير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع