التخطي إلى المحتوى الرئيسي

استأنف حياتك 2 (كيف تصنع مصيرك الذي تريد؟)

كيف تصنع مصيرك الذي تريد؟

عاداتنا تتحكم بحياتنا وترسم لنا مصيرنا كما ذكرنا في الجزء الأول من مقالنا الذي نشرته قبل أسبوعين تقريباً، فنصف أفعالنا نقوم بها تلقائياً وهذا الذي دفع كثير من علماء السلوك والنفس أن يقضوا أعماراً طويلة في البحث والكتابة حول كيفية إنشاء عادات حسنة والحفاظ عليها، النوم المنتظم والتمارين الرياضية، والنظام الغذائي الصحي، والجدول الزمني المنظم، واليقظة ليست سوى أمثلة قليلة من الممارسات التي - إذا تم القيام بها بانتظام - يمكن أن تحسن عملنا وعلاقاتنا وصحتنا العقلية. ولا يختلف عاقل على أن الالتزام والانضباط الذاتي هو الذي يؤدي إلى التغيير المنشود في بناء العادات.

أظهرت دراسة أجريت في عام 2012 أن تكوين عادة جديدة قد يستغرق 66 يوم في المتوسط، والالتزام بممارسة شيء طيلة هذه الفترة ينبأ بوجود انضباط ذاتي عالي لدى الفرد، الذي استطاع أن يستمر في العمل، وهذا ينطبق على بناء العادات الكبيرة والصغيرة.

الآن لنتحدث قليلاً عن كيف يمكن لنا أن نصنع مصيرنا الذي نريد من خلال تشكيل عادات حسنة:

أولاً حدد نواياك

ضع في اعتبارك أن بعض الأعمال الروتينية قد تتطور إلى عادات، ولكن ليس كل الناس يطيقون ذلك أو يفعلونه. بعض السلوكيات، على الرغم من أنها قابلة للقياس، وتتطلب الكثير من التركيز والممارسة والمداولات والجهد لدمجها ضمن روتين الأيام، لا تندرج ضمن فئة العادات لأنها تتطلب حضور الوعي. النقطة المهمة هنا اختر السلوك الذي تريد تحويله إلى عادة بحكمة. وجميل أن تعرف أن تكوين عادات ممتعة يختلف عن تكوين عادات غير ممتعة، فممكن لعادة ممتعة كإقصار تناول الحلويات بعد وجبة الغداء فقط، جهد تكوينها أسهل من تكوين عادة أخرى في التعلم متمثلة بالقراءة أو سماع محاضرة فكرية، الأولى بأقصى حد تحتاج إلى 21 يوم فقط، الثانية قد تستمر إلى 66 يوم.

فهم سبب تشكيل العادة (أي تحديد النية) يساعدك على البقاء متحفزاً عند ظهور حواجز أو عوائق في رحلتك لتكوين عادات جديدة. 

ثالثاً: استعد للحواجز

فكر في سبب عدم ممارسة هذه العادة بانتظام حتى الآن، ما الذي منعك؟ هل الخوف أو الكسل؟ أم ضيق الوقت؟ أو هوى نفسك؟

لذا التعرف على عوائق الطريق يساعدك على إدارتها بسرعة عند ظهورها وتحجيمها والتخلص منها. قد يكون المانع جدول مهام مزدحم، أو لأنك لم تشعر بالحافز واستعجلت حصد الثمار، عندما يُعرف السبب يبطل العجب كما قيل.

ثالثاً: استغل التكنولوجيا

ضع جدول زمني محدد عبر إحدى أدوات التقنية لترسل لك تنبيهات دورية عندما يحين وقت ممارسة العادة الجديدة الجيدة، وأنشئ تنبيهات على جوجل كاليندر للسلوكيات اليومية، هذا سيجعلك دائماً على دراية بما عليك عمله في الوقت المحدد.

رابعاً: اربط العادة الممتعة بالعادة الغير ممتعة

هذه الطريقة ستجعل من المهام المملة أكثر متعة، كيف؟ خذ نشاطاً لا تحب القيام به، ونشاط آخر ممتع بالنسبة لك، واربط بينهم واعملهم بنفس الوقت، ستخزن في ذاكرتك إشارة ممارسة العمل الممتع مع العمل غير الممتع، فالأخير استفاد من مزايا الأول، وسيحدث الإشباع الفوري عند ممارستهما بفضل العمل الممتع. مثلاً تصفح اليوتيوب من الأعمال المفصلة لديك، ابدأ بمشاهدة فيديو ترفيهي لا يزيد وقته عن 10 دقائق، وبعده مباشرة شاهد محاضرة فكرية نافعة.

خامساً: سلسلة العادة

تتكون سلسلة العادة من ثلاثة مكونات رئيسية تعمل معاً لتكوين العادة: الإشارة والروتين والمكافأة.

الإشارة هي محفز يشجع على ممارسة العادة، أي شيء من حولك يذكرك بها أو يجعلك ترغب في تنفيذها يعتبر إشارة، يمكن أن يكون شخصاً أو شيئاً أو شعوراً أو حدثاً أو رائحة أو أي شيء.

بعد ذلك يأتي الروتين، فالعادات ليست مجرد فعل واحد منفصل عن بقية أفعالك، ما يأتي قبل وبعد السلوك المعتاد هو جزء من العادة، وهذا ما نطلق عليه الروتين، وعندما تثير إحدى الإشارات عاداتك، ستبدأ في اتباع روتين محدد طوره عقلك، وستكون سلسلة الإجراءات بأكملها هي نفسها أو متشابهة جداً، في كل مرة يتم فيها تطبيق العادة دون وعي.

الآن وصلنا للمكافأة، وهي الجائزة (كما يصورها عقلك) التي تحصل عليها بعد ممارسة العادة، إذا شعرت بسعادة بعد ممارسة عمل ما فهذه تعتبر المكافأة كما يعرفها عقلك لك، سواء كانت سلبية أو إيجابية، ومن ثم تصبح بدون وعي تكرر هذه العادة مراراً وتكراراً لتحقيق رضا أو متعة المكافأة.

كل العادات تتشكل بنفس الطريقة سيئة كانت أو جيدة، سلسلة العادات هي السبب الرئيسي وراء بناء العادات السيئة والجيدة، في كلتا الحالتين، يمكن أن تستفيد من هذه السلسلة لتحقيق النتيجة التي ترجوها لنفسك وحياتك.

كما قلنا أن العادات ممارسات غير واعية، لكن إذا ركزت على العملية، يمكنك كسر العادات السيئة والتخلص منها واكتساب عادات جديدة بديلة عنها، وجهد قلع عادات كارثية من حياتك أهون من جهد تكبد نتائجها.

تتقوى العادات السيئة عندما تتكرر، ولتجنب ذلك فإن أفضل طريقة هي التحكم بها منذ البداية، إذا سيطرت على الإشارات ستمنع نفسك من الانجذاب إلى ممارسة العادة السيئة، سوف يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تعرف المثيرات الخفية، راقب الأحداث والظروف التي تميل فيها إلى ممارسة هذه العادة السيئة، وابدأ في اتخاذ خطوات للتحكم في هذه المحفزات أو ببساطة تخلص من إمكانية وجود هذه الإشارات من روتينك اليومي، بهذه الطريقة ستمنع عقلك من دفعك إلى ممارسة العادة السيئة وتكوينها، والعكس صحيح. وسنتحدث لاحقاً بفصل كامل باستفاضة عن كيفية تكوين عادات جيدة والتخلص من العادات السيئة. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع