سر الحياة الهانئة
أي
حياة تعيش أنت؟
كثير
من النشاطات الغير هادفة مسلية، وكثير من النشاطات الهادفة غير ممتعة، مثل:
قراءة كتاب، أو قضاء وقت لتعليم الأبناء مهارة حديثة، أو تنظيف المنزل، أو حضور دورة
تدريبية، هذه المهام بطبيعتها خاصة في العصر الحديث غير ممتعة تماماً على الرغم من
أهميتها، ولكنها الثمن الذي ندفعه لنحقق الامتياز الثقافي والأسري.
في
المقابل نجد الكثير من الأنشطة الممتعة التي لا تحمل أي معنى لكن عليها إقبال شديد
من الناس، مثل مشاهدة مباراة كرة قدم، متابعة مسلسل، تصفح مواقع التواصل
الاجتماعية، هذه الأشياء مبهجة لكنها بلا مغزى ولا منفعة تذكر.
في
حياتنا المهنية لدينا جميعاً مسؤوليات، اجتماعات، زيارة عملاء صعبي المراس، محادثة
مزعجة مع الزملاء أو المدير، والتي تعد ضرورية لتحقيق النمو المهني أو الهدف
الوظيفي، هذه المهام الثقيلة على النفس ضرورية ويجب أن نتحملها ونتقبلها كجزء من التزامنا
الهادف في مهنتنا. ونجد بعض المهام الممتعة مثل جلسات التدريب أو العصف الذهني، أو
العمل بمشروع ابتكاري محبب للذات، لذلك نحن نضحي في سبيل النجاح المهني بتقبل
المهام المزعجة، ونسعد بأداء المهام المحببة للذات. والمشكلة الرئيسية في أن يعيش
المرء حياته في نشاطات ومهام مزعجة على طول رحلة حياته، هنا المأساة.
الحل
من وجهة نظري يكمن في تحقيق التوازن الصعب، الذي لا يحقق بسهولة ويتطلب ثمنه
المناسب. هذا التوازن هو الوحيد القادر على تحقيق السعادة والازدهار لحياتنا، ومن
خلال التأمل بحياة الناس سنجد أن الناس تعيش أربعة أنواع من الحياة:
حياة
الكدح
حياة كلها مسؤوليات ومهام مزعجة ونشاطات مملة وثقيلة على النفس والروح، في
المكتب تجد نفسك عالق في أداء مهام بغيضة، تؤديها مكرهاً لأنه يجب عليك القيام
بها، ولا تجد في الساعات الثمان أي متعة تذكر. في البيت، تقضي الوقت منهمكاً بأداء
أعمال ثقيلة على النفس، أو لمعالجة مشاكل شائكة، لا معنى ولا متعة لها، فقط واجب
عليك أن تؤديها. هنا الحياة تصبح رحلة شقاء وأعمال شاقة، أحياناً لها هدف لكنها
تخلو من البهجة.
حياة
تافهة
تخيل
أن تعيش حياة بدون مسؤوليات ومهام مهمة، قد يبدو ذلك ممتعاً، لكن الانتقال من نشاط
إلى آخر دون جهد أو تضحية أو تحمل أعباء سيجعلك تشعر بالفراغ والسطحية والتفاهة،
عيش مريح وسهل ولكنه ضحل وعديم المعنى والنفع. ما لم نشعر بأن لوجودنا أهمية
سيتولد لدينا شعور بالاضمحلال والتفاهة.
حياة
البؤس
الأسوأ
من كل ذلك هو العيش بدون بهجة أو هدف، بلا معنى ولا سعادة. تؤدي نشاطات لا مغزى
لها ولا فيها متعة، رغم أن هذه الحياة بائسة جداً، إلا أن الدراسات تؤكد أن معظم
الناس يعيشون بهذا المربع البائس. الأب أو الأم اللذان لا يشعران بالدفء مع أطفالهما،
الموظف الذي يعمل على مدار الساعة ولا يرى نتائج لسعيه. الشخص الذي حقق النجاح
بنسخته العامة لكنه يشعر بفراغ روحي كبير. هذا المربع الخطير هو مربع الفراغ
والبؤس.
حياة
المعنى والبهجة
الأفضل
والأجمل أن تعيش حياة تجمع بين المتعة والمنفعة، بين الالتزام الهادف (من خلال
بناء شخصية متوازنة) للذات والآخرين، تثريها فرحة الآخرين، والهوايات التي تفي
بالغرض والسعي المهني، والوقت الممتع المفيد مع الآخرين، هذا النوع من الحياة
مزدهر ومرضي.
يجب
ألا نعيش للمتعة فقط، ونسعى لتحقيق توازن بين المتعة والمنفعة.
الهدف
من هذا التوازن هو أن نعيش حياة جيدة وهانئة، حياة مليئة بالسعادة والمعنى
والإنجاز، حياة نعيش فيها لهدف نبيل، ليس فقط للمرفهات والتوافه التي تجعل حياتنا
تفتقر للمعنى، وبالتالي نفقد إحساسنا بقيمة وجودنا، والغرض الذي خلقنا من أجله
ومصيرنا إليه.
الآن
أي حياة تعيش أنت؟
فكر
في المهام والنشاطات التي تقوم بها يومياً وأسبوعياً وانظر أين تجرك هذه النشاطات
في المربعات الأربعة، صحيح لن تظل بالمربع الذهبي طوال الوقت، لكن أن تقضي معظم
حياتك بمربع البؤس أو الكدح أو التفاهة فهنا أنت تحتاج لوقفة جادة مع ذاتك لتغير
الطريقة التي تتعامل بها مع حياتك.
الهدف
من إطار العمل هذا هو تحقيق التوازن، بدون غرض سوف تشعر بالضياع والفراغ، وبدون
بهجة ستشعر بالبؤس، وستعيش حياة قاتمة بلا بهجة. أنا أريدك أن تتمتع بحياتك وتشعر
بالمعنى وتتصل بالغرض السامي الذي خلقت من أجله، من دون هذا التوازن سوف تعيش حياة
بائسة فارغة من المعنى، والمصير سيكون مأساوي أكثر.
تعليقات
إرسال تعليق