التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عندما يكون الكلام بديلاً للعمل

يصل الناس إلى المكانة من خلال أقوالهم وليس أفعالهم.

يتقاعس الإنسان عن العمل عندما يتعامل مع الكلام عن شيء ما وكأنه فعل، كأن تكتب خطة أو تجمع بيانات لتحديد الإجراءات التي يجب أن تتخذها من أجل تحقيق التغيير، أو حتى سرد خطوات اتخاذ أهم قرارات حياتك، أو كتابة منشور في مواقع التواصل الاجتماعي دفاعاً عن قضية أو نقداً لسلوك وتصرف خاطئ.

أعرف أن كل ذلك يعتبر خطوة أساسية نحو اتخاذ الإجراءات، لكن مجرد الحديث عما يجب فعله لا يكفي، كما أن التخطيط للمستقبل لا يكفي لإنتاج ذلك المستقبل المنشود. يجب القيام بشيء ماء، ولكن للأسف كثير منا يتصرفون بطريقة كما لو أن الحديث عما يجب عليهم فعله أو على الآخرين هو كل ما يجب عليهم القيام به.

بالطبع، الكلام لا غنى عنه للعمل الملهم. الحديث والتفاعل هو ما تدور حوله حياة الناس. وإلا كيف يمكن تنسيق الأنشطة المترابطة، وتحفيز الناس، وتوليد المعرفة والأفكار وتبادلها؟

تحدث مشكلة استخدام الكلام كبديل للعمل في العديد من حياة الناس، وللتخلص من هذا المأزق الذي يسبب التقاعس والكسل، ويشعر فيه المرء بأنه قام بعمل ما يجب عليه، أنصح باتباع ما يلي:

1.     لماذا قبل كيف: الفلسفة مهمة.

الكثير من الناس يرغبون في تعلم "كيف" من حيث الممارسات والسلوكيات والتقنيات التفصيلية والتطبيق الفوري للأفكار والمفاهيم، هذا جيد ويجعل الإنسان عملياً أكثر، لكن التوجيه والتخطيط العام للعمل مهم أيضاً، ليمنع الوقوع في كثير من أخطاء التنفيذ. إذن علينا أن نبدأ دوماً بفلسفة الأمور وفهمها قبل تنفيذها.

2.     لا غنى لنا عن التجربة

لا يمكن لنا كشف حقيقة الفكرة وجدواها إلا من خلال تطبيقها على أرض الواقع، إن التعلم يتم بشكل أفضل من خلال تجربة الكثير من الأشياء، والتعلم مما ينجح وما لا ينجح، والتفكير فيما تم تعلمه، وإدراك فعالية التوصيات والمقترحات بعد تنفيذها وإدراك ما إن كانت صالحة أم فاسدة.

3.     العمل مهم أكثر من الخطط والمفاهيم الأنيقة.

مبدأ التصرف والتنفيذ حتى لو لم يكن لديك الوقت للتخطيط الكامل للعمل له ميزتان. أولاً، إنه يخلق فرصًا للتعلم من خلال العمل. بدون اتخاذ بعض الإجراءات، دون التواجد في الإعداد الفعلي ومواجهة "الجزء" الفعلي، يكون التعلم أكثر صعوبة وأقل كفاءة لأنه لا يستند إلى تجربة حقيقية، وقد تصبح كل الخطط والأفكار مجرد خيالات لا قيمة لها.

ثانيًا، تساعد فكرة "إطلاق النار" ثم "التصويب" - أو الفعل ثم التخطيط - على إنشاء قناعة تفيد بأن العمل يُقدّر وأن الحديث والتحليل بدون فعل أمر غير مقبول.

إن الكلام دون عمل يجعل الإنسان يدور في فلك الفراغ، سيظل الواقع كما هو سيئاً، والأهداف كما هي خيالات، لأن الذي يحدث فرقاً حقيقياً هو الفعل والتنفيذ، بل إني قد وجدت طوال حياتي أن الكلمات، وخاصة النظريات التي لم تختبرها التجربة، يمكن أن تكون أكثر ضررًا من الأفعال.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع