التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تفكيك ظاهرة الموضة

فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض

في عالم منشغل بالموضة و الجمال و تتبع آخر صرعات هوس الظهور يواجه المسوقين تحدي جديد و صعب متمثل في مطاردة اهتمامات الناس و اشباع حاجاتهم ليحققوا من وراء ذلك الغايات الربحية الكبرى التي تقوم عليها شركاتهم .

و استقراء خطوط مسار الموضة و مكامن نشوء التوجه السوقي يعتبر أحد أهم الادوات الفعالة التي تساعد خبراء التسويق في ابتكار منتجات جديدة أو تطوير منتجاتهم السابقة لتواكب التوجه الدارج في السوق و تلقى رواجاً و طلب .
و ما يعنيني هنا هو تفكيك ظاهرة الموضة و التفريق بينها و بين التوجه السوقي و التأكيد على اظهار مزايا و عيوب كلاهما و أهميتهما بالنسبة للمسوقين .

تعريف الموضة :
اهتمام شكلي قصير المدى في أساليب الحياة .

تعريف التوجه :
اهتمام جوهري طويل المدى في أساليب الحياة .

اكتشاف المسوقين للتوجه أو الموضة يعني الكثير جداً و من أهم ما يعنيه ربح أكثر بجهد أقل و وقاية من الخسائر و ضياع الجهود سدى .
فحينما يبذل المسوقين جهودهم في مطاردة الموضة فإنهم يسعون لتحقيق أرباح بسيطة و لفترة قصيرة بينما مطاردة التوجهات يضمن الربح الكثير و طويل المدى .

و التكنلوجيا مثال شاهد على فاعلية و جدوى التوجه , بينما نجد شيوع ظاهرة أزياء حديثة أو قصات شعر دارجة مثال على الموضة .

و لتفكيك ظاهرة الموضة و التفريق بينها و بين التوجه دعونا نتحدث عن أربعة عناصر :
1. الفترة : عمر التوجه طويل و يمتد لعقود و يبداً بالتكون و التشكل بشكل بطيء, بينما الموضة تبدأ سريعاً و لا يزيد عمرها عن سنتين .
2. التأثير : الموضة تؤثر على شريحة واسعة من الناس و لكن تأثيرها يلامس السطح و القشور , بينما التوجه يُحدث تحولات كبرى و نقلات كبيرة في حياة الناس, و يكون التأثير في العمق و الجذور .
3. الانتشار : الموضة تبدأ بالانتشار سريعا و دورة حياتها قصيرة و سرعان ما تتلاشى و تختفى , بينما ينتشر التوجه بشكل بسيط و يظل يتوغل ببطء شديد .
4. النفعية : لا منافع تذكر للموضة في حياة الناس , بينما التوجه يسهل و يطور حياة البشر .

إني لا أرى تصوير واضح للفروق بين الموضة و التوجه كالتصوير العميق الذي في هذه الآية :
( فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع