التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كيف تتعامل مع المستقبل المجهول؟


يكتنف الغموض الحياة التي نعيشها اليوم و رغم الانفجار المعرفي الذي وفر أدوات علمية لاستشراف و قراءة المستقبل نجد أن الانسان يظل عاجزاً لإدراك ما تحمله الأيام في المستقبل القادم مهما خطط و رتب و استشرف، و دائماً تحدث مفاجئات تقلب الطاولة رأساً على عقب وتجعل من الخطط مجرد حبر منقوش على ورق بلا أي صلة مع الواقع الذي سار لمنحنى مغاير تماماً عن المطلوب. و القدر بيد الله.
فما الذي يمكنك فعله في حال اصبح الواقع غامضاً و المستقبل مجهول؟
بدلاً من القلق الذي يأكل جهدك و يضعف بصيرتك حاول أن تتبع الخطوات التالية :
1.     ابحث عن المعنى الذي يؤطر حياتك و يجعل لها قيمة و تذكر أن لوجودك غاية كبرى أكبر من الوظيفة التي تعمل بها و أكبر من المال الذي تنتكس من أجله و أكبر من العلاقات التي تمنحها جل اهتمامك، إن لحياتك غاية أكبر من الموت وأسمى من كل تلك الأماني الرخيصة التي توقظ مضجعك، ابحث عن المعنى فخلف كل حياة عظيمة قضية تُلهب حماسة صاحبها و لا قيمة لأي مستقبل لم يُرسم من خلال ألوان هذا المعنى و ما دمت تعرف جيداً ماذا تريد و تمتلك إيماناً راسخاً فمن المؤكد أن كل الأحداث سوف تطوع لك درب الوصول لهذه الغاية.
2.     ارسم أهداف مرحلية جديدة متلائمة مع الغاية الكبرى في حياتك و اسعى لتحقيقها بروح تنافسية شفافة عاشقة للتحدي و لا تأبه للمثبطات.
3.     أحط نفسك بمجموعة بشر ايجابيين تجمع بينكم علاقة ود قائمة على التضامن و التكافل و التآزر و التعاون.
4.     حاول أن تستمتع بالتحديات الناتجة عن الغموض الذي تكابده في واقعك و المجهول الذي تخشاه من مستقبلك و حاول ان تستمد من الصعوبات موارد القوة التي تكتسبها كلما حاولت وبذلت جهد أكبر.
5.     ابحث عن الفرص المختبئة خلف حُجب الواقع المبهم، اكتشاف الفرص يُحفز النفس للمضي بثقة ، وغالباً الواقع يحمل الكثير من الفرص ولكن لا نراها بسبب الغموض الذي يكتنفه.
6.     استمع لآراء الخبراء و جرب بحذر و استشر و لا تتهور و احسب حساب خطواتك بتمعن.
7.     من عادة الناس أنهم في الحالات الغامضة يلجؤون لتكوين جماعات يلتفون حولها ( شللية ) فحاول أن لا تحسب على طرف دون الآخر و تعاون مع الجميع.
8.     هناك أربعة دوافع رئيسية تحرك البشر: الرغبة بالإنجاز ( دافع المنافسة لتحقيق أهداف صعبة) ،التقدير ( استشعار أن يكون محبوباً من الاخرين) ، النفوذ الشخصي (القدرة على الاستحواذ على احترام الاخرين) ،النفوذ الاجتماعي ( الرغبة في تمكين الاخرين و منحهم الاحترام الذي يستحقونه). و متى ما فهمت هذه الدوافع فإنه لن يصعب عليك التعامل و التأثير في البشر المتسمين بالغموض من حولك و الذي يشكلون بأنفسهم جزء من غموض الواقع الذي تكابده.
9.     تمسك بقيمك الفضلى التي تدور في فلكها كل حركاتك و لا تتخطاها و لا تتجاوزها و مهمها ضغطت عليك الظروف لتميل عنها اثبت و انحني امام العواصف لتستمر في تمحورك حول قيمك فهي أساس النجاة  على المدى البعيد ، حتى و ان خسرت بعض المصالح في الوقت الراهن.
10. مع المنافسة الشديدة العب بأرضك و لا تنجر لملعب خصومك و ان اضطررت للمواجهة في أرض خصومك فلا تستخدم جميع أسلحتك مرة واحدة و حاول أن لا تخلق عداوات مع أحد و تعامل مع عدوك و كأنه وليٌ حميم.

لا بد من الوقوع ببعض التيه و التخبط في الحالات شديدة الغموض و لكن لا بأس إن فقدت الرؤية فحاول أن تمتلك بصيرة حادة تكشف لك ما وراء الأشياء و كن دوماً بجانب عالم الغيب ليمدك بقبس من أنواره و يمدك بعلمه الواسع سبحانه. و لا تجعل الخوف من المجهول يصيبك بالشلل و العجز استعن بالله و توكل.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع