التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ثلاثية الحضور الفعال

 ثلاثية الحضور الفعال

لتعيش حاضرك كما ينبغي أنت تحتاج إلى ثلاثة عناصر مهمة: التمكن واليقظة والشعور بإضافة القيمة.

دعونا نبدأ بالتمكن.

بات من المؤكد اليوم أن الشعور بالتقدم هو المصدر الأساسي في حث الإنسان على الاستمرارية والشعور بالسعادة والرضا عن الذات، ويمكن للإنسان أن يعزز هذا الشعور – أي الشعور بالتقدم – من خلال تحقيق الإنجازات الصغيرة المتتالية، يكفي أن تحقق إنجازاً صغيراً لكن بشكل مستديم لتستمد دافعيتك للعمل والتحسن أكثر وأكثر ولتشعر بالسعادة أيضاً.

هذا النوع من التمكن يعتمد على الشرط الثاني للحضور الفعال وهو اليقظة: تركيز انتباهك على مهمة واحدة، وهذا ليس بالشيء الذي يفعله الكثير منا هذه الأيام.

لنحقق الحضور الفعال نحتاج أن نعيش بيقظة واتقاد ذهني يستوعب بما بين أيدينا، ونعني بذلك التركيز على مهمة واحدة أو على عدد قليل من الأهداف، وهذا ليس بالشيء اليسير في عالم اليوم المليء بالفوضى.

تشير بعض الدراسات إلى أن الإنسان العادي في الوقت الراهن يتلقى في اليوم الوحد بمتوسط 100 ألف معلومة. مسكين هذا العقل ماذا يمكنه أن يحتفظ، وما مدى استفادته من المعلومات التي يتلقاها على مدار الأيام. الأمر وصل إلى حال أسوء من ذلك، فالإنسان العادي في اليوم يفتح شاشة هاتفه أكثر من 200 مرة، وكثير من الناس اليوم يبدلون بين المهام كل عشر دقائق، ولا يستطيعون إنجاز مهمة بشكل كامل وجيد.

لمعالجة هذه المشكلة يجب أن نتعلم كيف نضع بيننا وبين المشتتات من حولنا حدود تعطي لكل مهمة وكل شخص حقه من الاهتمام والتركيز. حاول أن تخصص لك وقتاً خالصاً في الصباح أو المساء وأطلق عليه وقت التركيز، امنع كل المقاطعات وانهمك بالمهمة التي بين يديك (ممكن أن تكون المهمة حديث مع والدتك أو تواصل مع طفلك) سوف تجد أن التركيز الخالص على المهمة وإن كان قصيراً يؤتي ثماراً يانعَة.

الآن، لنتحدث عن الشرط الثالث للحضور الفعال: الشعور بالقيمة. معرفة أنك مهم للآخرين، والعالم يحتاج وجودك، وأن عملك يضيف قيمة للناس من حولك، على هذا الأساس سوف تشعر أن لعملك غاية أكبر من حدود الأجر الذي تتقاضاه، فهو يحقق منافع للآخرين، وهذا يجعل لوجودك معنى ولجهدك غاية.

إذن كانت هذه ثلاثية الحضور الفعال: التمكن ونعني بها التقدم المستمر، واليقظة بالتركيز على عدد مهام أقل، وأخيراً الشعور بالقيمة أي أن تكون نافعاً للحياة والأحياء. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع