التخطي إلى المحتوى الرئيسي

زاهد في عصر الحداثة - رقم 1

الحياة تهب نفسها لمن زهد عنها!

تعرض الحياة عليك مفاتنها طوال مدار الساعة، هذا الزمن شديد الإغواء و مغرياته كثيرة و مقاومته لا يطيقها صاحب النفس الهشة و الروح العطشى.
و المؤمن على خلاف الناس من حوله يعيش حياته وفق ضوابط و شكليات يفرضها عليه الدين الإسلامي و هو بذلك مأمور و مأجور.
يأكل طعام حلال و يلبس المحتشم و يُحسن في تعامله مع الناس و في تناوله للأشياء و مباشرته للحياة.
و كيف يزهد المؤمن اليوم في عالم البهرج و الماركة؟
المهمة ليست سهلة و لكن في المحاولة النجاة و السبيل السليم.
يمضي زاهد في رحلته اليومية من الصباح الباكر جداً، في الحقيقة مطلوب منه أن يستيقظ في وقت يغط فيه العالم في النوم ... لابد أن يستيقظ فجراً قبل بزوغ الشمس.
و قد قرأت مرة بحثاً عن نمط حياة كبار المدراء التنفيذين في العالم اليوم.
70% منهم يستيقظون الرابعة فجراً.
يستيقظ زاهد لا ليذهب لعمله كما يعمل الكثير من الناس في هذا الزمان، يستيقظ ليصلي الفريضة الأولى في اليوم ... صلاة الفجر.
يترك نومه و فراشه الدافئ.
على غير عادات الآخرين الذين يستيقظون في ميعاد الدوام السابعة صباحاً و ما بعد.
إن زاهد يعلم أن الحياة بلا قضية لا قيمة لها و من لم يلتزم باللوازم الصغيرة للوفاء لتلك القضية لن يجد في نفسه تعظيم و لا تضحية لغايات الرسالة التي يعيش من أجلها.
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد ... يعرف زاهد تكملة الحديث تماماً.
و يقضي زاهد أجمل أيام عمره في تلك اللحظات و خاصة بعد الفجر بعد أن يُصلح مجلسه ليذكر ربه و يستفتح يومه بالدعاء.
و كان أحد المفكرين الكبار و أظنه الدكتور عبدالكريم بكار يقول أن أعظم مشاريعه الفكرية ينتجها من بعد صلاة الفجر فهو وقت مبارك فيه.


و الدكتور علي العمري خصص هذا الوقت لتأليف تفسير القرآن الذي عكف عليه عشر سنوات و مازال في منتصفه و لا أعلم إن كان أعاقه السجن الجاحف عن استكمال مشروعه أم لا.

إن زاهد يعي تماماً الدور المطلوب منه في الحياة، فلا يشغله نوم أو سهر عن تأدية دوره.إنه يعيش روح العصر الحديث كما يريد الله لا كما يريد هواه و الناس من حوله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع