التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تحليل المواقف


تأتي لنا الحياة كل يوم بشكل من أشكال المواقف و التي تتطلب منا ردود أفعال تتناسب مع طبيعة و أهمية كل حدث. و قد ذهب بعض الفلاسفة ليلخص أن السعادة و التعاسة تصنعها ردود أفعالنا لا أكثر، و أن الأحداث واحدة و لكن تختلف ردود الأفعال و هذا ما يفرق بين السعيد و الشقي.
من خلال امتلاك مهارة تحليل المواقف نظن أنك سوف تصبح أكثر قدرة على تحديد وضعك الحالي و ما ينبغي عليك فعله لتخرج بأكبر منفعة من الحدث أو الموقف و أو تخرج بأقل ضرر ممكن. و سوف تتمكن أيضاً من التنبؤ الجيد بالنتائج المترتبة على تصرفاتك و قراراتك التي اتخذتها لمواجهة هذا الموقف.
التعرف على مهارات تحليل المواقف تمنحك ميزة تقدير الأمور على ما تستحق و أن لا تقع ضحية للخداع و الغش و الاحتيال و الاستغلال، فليس جديراً أن تبدو ساذجاً لا يفقه فهم الظروف التي يمضي عليها.
الموقف يتأثر بشكل مباشر بالناس المرتبطين به و وقت حدوثه و سياقاته السابقة أما اللاحقة فهي الآن ما زالت تريد منك أن تشكلها حسب تعاملك مع هذا الموقف.
إليك هذه الخطوات المساعدة على تحليل المواقف بفاعلية:
أولاً: كن واعياً
لا تترك حدث يمر دون أن تقرأ دلالاته، لا شيء يحدث في الحياة اعتباطاً و لله في كل ما يجري حكمة، علمتني الحياة أن الإنسان اليقظ ذهنياً و الحاضر وجدانياً يُحسن قراءة الأحداث و يستخلص أهمية ما يجري فلا تمر عليه الأحداث مرور غير واعي.
ثانياً مهارة الربط
أحداث كثيرة حدثت في وقت مضى تأتي تفسيراتها مع مرور الوقت لكن بشرط أن تكتشف الروابط التي بينها، و لن تتمكن من ذلك إلا إذا كانت ذاكرتك قوية أو كما يقال (مُصحصح). فتفسر حادث سابق من خلال الحدث الجديد بعد أن أوجدت علاقة الأشياء المتفرقة لكنها متشابهة و متجانسة.
ثالثاً المقارنة
وتكون بإبراز أوجه الاتفاق والافتراق أو العلاقة بين العناصر المركبة للمواقف المختلفة فيمكن أن تفهم الموقف الجديد من خلال مقارنته مع الموقف القديم الذي تعلمت منه دروس و اكتسبت خبرة.
رابعاً التحكم في التصنيف
عند استيعابك المبدئي للموقف فإن أول عمل يقوم به العقل هو الرجوع للخبرات المتراكمة ليصنف هذا الموقف. و يؤثر على ردة فعلك بعد تصنيفه السريع للموقف الذي تمر به. و قد يحصل العقل على اشارات مشابهة لمواقف سابقة فيصنف الموقف الجديد المختلف بنفس تصنيفه للموقف القديم و يجبرك تتصرف بطريقة لا تُناسب طبيعة و حركة الموقف الجديد.
خامساً لا تتعجل بالحكم
لا يمكنك أن تحكم على المواقف المختلفة من خلال " معاييرك" الشخصية لأنها ربما تحتاج لمعايير مختلفة لا تملكها أنت ، يمكنك بالتأكيد أن تُشكل رأيك عن هذه المواقف، لكن لا يمكنك الجزم و الحسم ازاء هذه المواقف الجديدة كلياً. استشر و اعطي الوقت حقه في الحركة لتظهر لك معلومات و معايير جديدة تساعدك من تشكيل تصور جيد عن الموقف.
يطول الكلام في هذه المهارة المهمة و لعلنا إن أذِن الله أن نذكر عناصر أخرى مهمة في تعزيز القدرة على تحليل المواقف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع