و بعد أن تحدثنا عن بعض القواعد الأساسية في بناء العلاقات الجيدة مثل المهارات العاطفية و ملامسة روح الانسان عند المعاملات ، نكمل اليوم حديثنا عن بقية القواعد المهمة
ثالثاً
المصداقية و الثقة
في موقف مهيب طرقت
الباب على عميد الكلية و طلبت إذنه بالجلوس لمناقشة أمر يخص استاذي و بدأت أسرد له
معاناتي و معاناة الطلبة معه، و بنظرة حازمة قاطعني العميد وقال لي توقف و أخرج
هاتفه و اتصل بالأستاذ و طلب منه الحضور للمكتب فوراً لمناقشة مشكلة تخصه... و عند
حضور الأستاذ نظر لي العميد و قال له الآن يمكنك الحديث.
يحكي ستيفن كوفي هذه
القصة و يعلق عليها ( لقد كان موقف هذا العميد درس عميق لا أنساه أبداً, و علمني
كيف ممكن للإنسان أن يكتسب ثقة الآخرين من خلال منعهم من الحديث عن غائب).
إن الثقة تمثل العمود
الفقري للعلاقات و لا ثقة لكذاب و مغتاب، إنها مصدر كل شيء جميل في العلاقات فأنت
حينما تثق بمن تتعامل معهم فإنك تؤسس وثاق غليظ للتآزر و التعاون و التواصل بأمان
و لن تظل خائفاً مرتاباً تخشى على نفسك الخيانة و الغدر.
بناء بيئة عالية
الثقة تصنع فارق كبير في النجاح و التفوق و تزيد من مستويات الانتاجية و تقلص حدوث
المشاكل و تجعلها سهلة الحلول, الحماس و التعاون يتضاعف و الولاء و الإحسان يزيد و
أهم من هذا كله هو غياب التوتر و القلق فالإنسان لا يشعر بريبة مع من يثق بهم.
من خلال استطلاع رأي
طال عدد كبير من المدراء التنفيذين نتائجه أظهرت أن 55% منهم أكدوا أن غياب الثقة
يشكل تهديداً حقيقياً أمام نمو المؤسسات التي يديرونها.
و حسب دراسة حديثة
تشير إلى أن وجود الثقة يحفز الدماغ لإفراز هرمون الأوكسيتوسين و بدوره يساعد
الانسان على الشعور بالإرتياح, و هذا الهرمون يعمل على تقليص مشاعر الخوف حتى من
الأشخاص الغرباء, فلو تم حقنك بهذا الهرمون و اثناء ذلك قابلت إنسان غريب فإنك
ستشعر معه بارتياح تام، و يقول العلماء أن التوتر يثبط افراز هذا الهرمون لذا فإن
الانسان المتوتر لا يتفاعل مع الآخرين بفاعلية.
كيف نبني الثقة:
1.
الصدق: و لا يعني فقط قول الحقيقة ، و لكن أن تتطابق
النوايا مع الأقوال و تتطابق الأفعال مع الأقوال .
2.
تقدير الإحسان: تبنى الثقة من خلال تقديرك لأصحاب
المساهمات الجميلة و أهل الإحسان, هذا النوع من التقدير يحفز الآخرين على محاكاة
التفوق و ادراكه رغبة بنواله. و النوايا الطيبة مع الفعل السيء لا تمنح صاحبها
الثقة.
3.
لمن تُمنح الثقة: عليك أولاً أن تفهم الآلية التي تتشكل من
خلالها الثقة و أن تفهم أيضاً كيف و لمن تمنح الثقة و أسقط هذا التساؤل على نفسك :
أنت لمن تمنح ثقتك و لماذا؟
صديقي
يحتاج للخضوع لعملية صعبة و هو يعلم مقدار حبي و اخلاص و حرصي على عافيته و بنفس الوقت
يعلم أني ليس لي في الطب.
فهل
تأكده من حبي و نزاهتي و وفائي يجعله يثق بي لإجراء عملية له .
أم
أن عليه أن يبحث عن طبيب قوي ماهر متمكن لديه القدرة على اجراء العملية.
الثقة
لها ركنان أساسيان : الصفات و القدرات
الصفات
تتضمن نزاهتك و دوافعك و نواياك مع الآخرين, و القدرات تتضمن مهاراتك و نقاط قوتك و
قدرتك على الانجاز .
فأنت
قد تحب شخص و تعرفه بالأمانة و لكن لن تثق به في مواقف معينة بسبب ضعفه. و العكس صحيح،
فقد
تجد شخص قوي و يمتلك مهارات جيدة و لكنه يفتقر للنزاهة ، و هذا لن تثق فيه أيضاً.
الناس
دوماً تميل للثقة بالإنسان الذي يمتلك صفات القوة و قدرات الأمانة. و تثق أكثر بالأقوياء
صُناع الأحداث.
الصفات
اساسية و دائمة و ضرورية للثقة تحت أي ظرف و موقف, القدرات ظرفية و تستمد أهميتها حسب
ما تتطلبه الظروف.
و
البشر بفطرتها تميل للثقة بالآخرين إلا إذا بدا لهم ما يريبهم ... فلا تكن من أصحاب
الشبهات.
و
حتى يثق بك الناس فعليك أن تمتلك صفات الأمانة و قدرات الأمانة.
4.
كيف تصنع نزاهتك: كن نزيهاً أولاً مع نفسك من خلال ضبطها
و هزيمة رغباتك أما الإغراءات ، و من ثم ضحي بمنافعك لحفظ مصالح الآخرين عندما
تكون المخاطر كبيرة. خذ عهوداً على نفسك و اللتزم بتحقيقها مهما كان الأمر، هنا
أنت تؤسس لبناء الثقة مع ذاتك. خذ عهوداً لا يعلمها غير الله و أوفِ بها و لكن
احذر من وضع العهود الكثيرة و الكبيرة فتقع فريسة للتقاعس. و احترم العهود التي
تقطعها مع نفسك مثل احترامك للعهود التي تقطعها لغيرك و لكن إن كنت أنت من الناس
الذين لا يحترمون عهود الآخرين فأنت في كارثة. و قد أثنى الله على ذوي الألباب في
كتابه و قال (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ).
5.
صناعة الثقةلابالنفس: أول خطوة في مرحلة بناء الثقة هي
الثقة بالنفس، التعامل بثقة مع الذات مهم جداً و لن يتحقق ذلك إلا من خلال احراز انجازات صغيرة متتالية و كما يقال
(الثقة بالنفس هي ثمرة الانجازات السابقة)، الفكرة كلها قائمة على أن نكون أمام
أنفسنا و أمام الآخرين من أهل الثقة و الكلمة المفصلية في أمر الثقة هي المصداقية
مع النفس و مع الآخرين. و السلوك المتسق يلعب دور مهم في بناء الثقة و مما يهدم
الثقة بالنفس عدم الوفاء بالالتزامات الشخصية.
تبقى لنا أن نختم
قولنا بالتأكيد على أن العلاقات الجيدة و المتزنة شرط اساسي للحياة السليمة.
تعليقات
إرسال تعليق