التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ثاني عشر يوم سعادة (الفراغ الروحي)


تجتاح بعض الناس حالة من الشعور بالنقص – أو  ما نسميه الشعور بالفراغ الروحي – فيظل يستجدي الحياة و الأحياء و كل ما هو موجود ليسد هذا النقص و يملئ الفراغ الذي يأكل في كل لحظة شيء من ذاته، و كلما اتسعت هذه الهوة زادت تعاسة الإنسان و زاد لهثه خلف أمور دنيوية ليشبع نهم روحه العطشى، و هو بهذه المحاولات مثل الذي يحاول حل مشكلات غير مرئية و لا ملموسة بحلول ملموسة و مرئية.
صاحبنا هذا يشعر بالتفاهة و عدم القيمة فيلجأ لوسائل رخيصة ليحارب هذا الشعور و يصنع من الأشياء المادية قيمة معنوية لوجوده ... فيظل يستهلك و يقتني ليقول للناس انظروا لي أنا هنا ... و دوماً يفشل لأنه لم يحاول أن يلمس جوهر المشكلة.
و تتبع الموضة و هوس الاستهلاك و حب الظهور و الشهرة و الحرص على حب و قبول الناس و الإدمان بكل أنواعه كل ذلك يعتبر من المحاولات الحثيثة لسد النقص و ردم الهوة التي تقبع في عمق الروح.
و للأسف يلجأ معظم الناس لمعالجة المشكلة الروحية من خلال الانغماس في الملهيات و الغرق في المتع الحسية و ترفيه الجسد و اشباع نهمه .. و هنا تتفاقم المشكلة و لا تحل .. و الانقباض و ضيق الصدر و حشرجة الروح التي يكابدها أناس هذا العصر في معظم الأوقات يؤكد لنا أن المشكلة في المقام الأول هي روحية ... و أن الروح هي مستودع السعادة. و إن الفقر الحقيقي هو فقر الروح،
إن الملل هو سأم يصيب الروح حيث يشعر الإنسان أنه يفتقد للمعنى الجميل في كل شيء حوله ،و هذا الفقدان يثقل كاهل الروح حيث يشعر الإنسان أنه ينشغل في غير مشغلة و محاصر بمتاعب و هموم غير مهمة و غير مجدية و بلا قيمة.

و يقول د. عبدالكريم بكار :
(إن أرواحنا تواقة إلى التواصل مع العالم الأسمى، وحرمانها من ذلك يعني حرمانها من مصدر مهم من مصادر رفاهيتها .
الصحة الروحية أو إمتاع الروح يحتاج إلى تلبية حاجاتها من خلال ذكر الله تعالى والتعلق به سبحانه و من خلال الإبداع والانشغال بالأشياء النافعة بالإضافة إلى التفاؤل ومواجهة الصعاب بروح شجاعة.
إن خواء الروح كثيرًا ما يتمثل في ذلك الشعور العميق في الاحتياج الشديد إلى المال والشهرة والنفوذ وتقدير الآخرين والأنس بهم، ومن الطبيعي أن يكون الامتلاء الروحي عبارة عن شعور قوي بالاستغناء الداخلي عن الكثير من هذه الأمور).

و رمضان غذاء للروح و فيه من المعاني و العبادات التي يمكن لها أن تردم هذه الهوة ،و شعائر العبادات تلامس شغف الروح و تروي الجفاف الذي يزيد كلما ابتعد الانسان عن صلته بخالق هذه الروح.

رمضان شهر الروح و السكينة أجمل ما قد يجنيه الانسان فيه. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع