التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ثالث عشر يوم سعادة (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)


الاستقامة : لها ثلاثة مستويات
أن تعرف معايير الأخلاق ما يصح منها و ما لا يصح
أن تنوي فعل الأشياء الحسنة
أن تمارس السلوكيات الحسنة
و يرافق كل ذلك شعور بالسعادة عند التوافق مع هذه المعايير و شعور بالأسى في حالة الاخفاق عن الالتزام بها.
و إذا صحت نية الإنسان في الاستقامة على المعايير الربانية بزغت فيه الإرادة لعمل الخير و مفارقة المساوئ فيفرح إذا أصاب و يحزن إذا أخفق و له في كل الأحوال أجر.
و لم أرى عجز في الناس كالعجز في النية. د. طارق السويدان
إن الاستقامة في التحليل النهائي ليست  سوى تمحور المسلم حول مبادئه ومعتقداته، مهما كلف ذلك من عنت ومشقة، ومهما فوت من فرص  ومكاسب. و الإنسان المستقيم خير يفيض على من حوله، فهو أولاً كافي شره و ثانياً خير فياض على المجتمع الذي يعيش و دائماً نجد له لمسات شخصية جميلة و مساهمات يغدق بها على الحياة.
و هو كذلك لأنه لا يخدع و لا يخون ، لا يكذب و لا يغش، يعامل الناس بالعدل و الرحمة، يفي بعهوده و وعوده، ديدنه العطاء و مرتهن للتطوع و الخدمة.
و أكثر ما يعتري الإنسان المستقيم هو التقزز!
نعم التقزز.
فهو إذا وجد الناس يتصارعون على مصالح فانية يتقزز.
و إذا رأى الناس تلهث خلف المال و تطلبه بجشع و تخسر مبادئها من أجل تحصيله يتقزز.
و يتقزز إذا وجد من يهين نفسه و يخسف بكرامته من أجل الحصول على وجاهة أو منصب.
يتقزز إذا وجد الأخ يحسد أخيه و الأخت تفجر بخصامها مع أختها من أجل ماديات رخيصة.
يتقزز إذا وجد الناس تخسر دينها من أجل دنياها ... فهو يستمع لنداءات غير نداءات الغرائز.
يتقزز إذا رأى الناس تهيم بالكيف و الملهيات و تنغمس بإدمان أمور تسرق وعيهم.
يتقزز لأنه يمتلك روح حيّة و ضمير يقظ.
أجمل ما وصف الله به عباده اصحاب الاستقامة أنه لا خوف يصيبهم و لا يمسهم حزن لأنهم لا يرتكبون مخالفات تجلب عليهم تلك الويلات.
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .
و من خلال النظر لاهتمامات الناس و تلخيص مناشطهم اليومية سوف نتمكن من ادراك محور حياتهم، فهناك من يقدس عمله و يعلق همه الأكبر للنجاح فيه ، و هناك من يعطي العلاقات جل تركيزه و اهتمامه ،و هناك من يلهث خلف المتعة و يدور في فلكها ، و الانسان المستقيم هو الذي يحيّا لله و يبحث عن رضوانه في كل حركاته و سكناته.
و الاستقامة لها مكونات : التمحور حول المبادئ، التحلي بصفات الصدق و النزاهة و الأمانة، الترفع عن مشارب المتعة الدنيوية الرخيصة و الحرص على المنافع الدينية الكبرى و الأخرى،  التمسك بقيم الخير و الجمال و الحق، التجرد من الأنانية و الحرص على المصالح، حب الخير للغير.. و مزايا أخرى قد نراها واقعاً في حياة التقاة الحقيقيون ... تقاة القلوب.
و رمضان فرصة طيعة لتعزيز مبدأ الاستقامة في الحياة. 
و أختم بمقولة رائعة للدكتور عبدالكريم بكار بهذا الشأن:
إن لأكثر الناس دينين: ديناً معلناً و ديناً حقيقياً، و دين المرء الحقيقي هو الذي يكرس حياته من أجله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع