التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خامس و عشرين يوم سعادة – تعاسة روح

الحياة لها طرائق تقود إما للسعادة و إما للتعاسة و كل إنسان يسلك الطريق الذي يختار و يصل للمرسى الذي صوب خطواته نحوه , السعادة غاية البشر و التعاسة ما يخشاها الجميع و حركة البشر و افعالهم دائما تحدث بدافع الرغبة في السعادة و تجنب التعاسة و خالق السعادة و التعاسة قد رسم لكل منهما طريق ...
عشت و لم أجد أتعس من ذلك الذي يبحث عن السعادة بالحرث في أرض الشهوات و الأهواء والانقياد للرغبات الدنية و الاستسلام لدوافع النفس بالظفر و النوال من زينة الحياة دون النظر لصوابية الغرف الغير مشروع من نبع غير سليم و غير نظيف .
و من طبيعة الذنوب انها تجلب بعضها بعضاً و ان الذنب يقود لذنب آخر , الخائن دواعي استمراره في الخيانة تجبره على الكذب , و السارق حتى يسرق لابد عليه أن يخدع , و الفاسد حتى يُثمر فساده يجنح للظلم , حتى يجد الانسان نفسه و قد جره ذنبه لارتكاب ذنوب اخرى و الدوران في حلقة مفرغة من الذنوب لا نهاية لها .
و مأساة الإنسان مع الذنوب تأتي من الشعور بالعار حيث يجد نفسه منهار أمام مقاومة تيار الإغراءات و جواذب الشهوات فيسقط سقوطاً لا صوت له و لا يشعر بسقوطه إلا عند ارتطامه في القاع .
تظل تجاذبك نفسك لتكرار المآثم التي تظن بها سعادتك و تظل تستسلم لدواعيها حتى تفقد احترامك لنفسك و تشعر بالمهانة امام ذاتك فتفقد قيمة وجودك و تشعر و كأنك كائن بلا روح و تنسلخ ذاتك من معاني الإنسان المحترم ذو القيمة.
و ما اقسى ان يخسر الإنسان نفسه الجميلة التي كانها و لا يغنيه بعدها لو كسب ما كسب فلا شيء يعوضه عن خسارة أناه .
الروح هي موطن السعادة و التعاسة , والذنوب و اتباع الشهوات يُنهك الروح و يجعلها أرض بوار و مرتع خصب للكروب , و تظل جدباء مثل صحراء خاوية إذ ما رويتها من نبع حب الله و اتباع رضوانه .
الانسان مخلوق بعاطفة جياشة و العاطفة مهمة لتوازن الوجود و اضفاء روح و نكهة للحياة و للتجاوب مع ما يجري , و الانسان الخالي من العاطفة ارض جدباء غير صالحة لشيء , نفرح للمسرات و نُعجب بالُحسن و نمتن للذوقيات السلوكية و ننجذب لجماليات التعامل و نخاف من الشرور و نحذر من المضرات , و هكذا نحتاج العاطفة حتى نتحرك و نقف و نندفع نحو الحياة بشجاعة و خوف و نتجاوب مع احداث الحياة بفرح و حزن .. , و تكمن خطورة العاطفة انها إذا تملكت الإنسان و سيطرت عليه افقدته التوازن في التعامل مع ما حوله و المشكلة الأكبر التي تُصيب الإنسان إذا الوهم مسك بزمام عاطفته هنا يجد هلاكه لا محالة .
أهم مكاسب الاستجابة لأمر الله و اتباع مراضيه هو التصالح مع النفس و الناس و الحياة , أن تعيش حياة هانئة بلا ضنك و كروب , أن تشعر بروحك و كأنها جنة تنهل من نعيم الفرح أنت و من يعرفك .
ويح من خالف أمر ربه و مضى بدرب العصيان و الله لتجدنه أتعس خلق الله و لو كان مسلم , و من اطاع درب الصلاح و سنن الله في الوجود لتجدنه اسعد خلق الله في الدنيا و لو كان كافر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع