التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تاسع و عشرين يوم سعادة – المتعة الروحية


للناس مذاهب فيما يسعدهم و يمتعهم و لكن هناك أمور يشترك فيها جميع الناس خاصة إذا ارتبطت هذه الأمور بالروح: مستودع أسرار الخالق و ابداعه.
و مما لا شك فيه أن للروح مسرات كما أن للجسد مسرات و لكن ما يمايز بين تلك المسرات هو أن مسرات الروح لها عمق في الاحساس و تتسم بالديمومة بينما مسرات الجسد مؤقتة و مشروطة الوجود، مثلاً أنت لا تشعر بلذة الطعام الا اثناء تناولك له و عند الانتهاء منه تزول اللذة، بينما متع الروح تتسم بالديمومة و الشعور الطويل بالرضا و الهناء و الاكتفاء.
و من مصادر المتعة الروحية
سلامة الضمير فإن الانسان الآثم كثير القلق و الخوف فهو يشعر أن هناك عاقبة أليمة للأخطاء التي ارتكبها و ما يزيد عذابه علاوة على ذلك الشعور بالقلق و الخوف هو أنه يجهل توقيت و شكل العقاب الذي يستحقه، و الزمن إن طال أو قصر فلابد أن يجني الانسان ثمار عمله ساءت أو حسنت.
و من أهم مصادر المتع الروحية هو أن يسعى الانسان في ادخال السرور على قلوب الناس و السعي في تيسير مصالحهم و نوال حقوقهم، إن الانسان الذي يسعده السرور الذي أدخله بقلوب الناس بدعم مالي أو معنوي يجد من الحبور و البهجة الروحية أضعاف ما يجده ذلك الذي يحاول أن يبهج نفسه بالأخذ.
و الحب قمة العطاء و إن أكثر ما يحتاجه الناس هو أن يشعروا بوجودهم وأنهم ذو قيمة و مرحب بهم.
تجليات الذكر و التونس بمناجاة الخالق عز وجل يبهج الروح و لو اقتص المؤمن من كل ساعة خمس دقائق ليتوقف عن كل شيء و يذكر ربه حباً و شوقاً لتذوق بذلك لذة الحب فالمحب دائم الذكر للمحبوب و الذكر من علامات الشوق لله عز وجل و لا يكون الذكر ذو أثر إلا إن كان بالقلب قبل اللسان و استحضار الوجدان عن التهليل و التسبيح و التمجيد و الحمد و الثناء.
استحضار النية عند الطموح دنيوي كان أو أخروي فالإنسان إذا وثق أن أجر جهده و عمله ثابت له أخفق أو نجح في تحصيل مقصوده الشريف سكن و ابتهج، فالمسلم إذا نوى الخير  و حققه كتب له أجران أجر النية و أجر العمل و إن أخفق كتب له أجر النية و هو في كل الاحوال رابح بنيته الطيبة.
إن المتع الروحية دائمة و عديدة المصادر و ليس لها نفاد و هي أصل السعادة و الحياة الهانئة التي ينشدها الانسان في وجوده.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع