التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ثلاثين يوم سعادة - رعاية الضمير


من الأمور التي تساعد على نهضة الأمم تقوية الوازع الداخلي لدى افراد المجتمع، إن الرهان على ضمير الإنسان ... رهان مثمر. و هذا هو البديل الأمثل لاستخدام القوة و أدوات القهر و التعذيب ليكف الناس عن ارتكاب المخالفات التي تهد بنيان المجتمعات.  
الفلسفة الإسلامية في الإصلاح تقوم على الرهان على ما لدى الإنسان المسلم من وعي ومن رادع داخلي، ولهذا فإن توعية الناس وتربية حاسة الردع الذاتي لديهم (الضمير) من أهم ما يجب التعويل عليه في الارتقاء بالمجتمع المسلم.
الضمير لا يتكون ولا ينضج تحت مطارق التهديد والوعيد ولا في أجواء القسر والضغط، وإنما يتكون وينمو في الأجواء الحرة حيث يولد الشعور بحرية الاختيار الشعور بالمسؤولية، ومن هنا كثرت النصوص التي تدل على استبعاد الإكراه عن دائرة الإيمان والتعبد والتدين عموما، وفي هذا يقول الرب تبارك وتعالى: ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) 1ويقول: ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) (د. عبدالكريم بكار)
إن القوانين تنظم حركة الانسان في الحياة فهي ليست غاية و لكن وسيلة لتنظيم مسيرة الانسان و اساليب عيشه و ليس لتقييد حياته و معاشه و سرحته و مرحته. عندما تكره انسان لفعل شيء ما مستخدماً القوة و هو غير مقتنع فإنه سيكون أحد اثنين: إما منافق إن كان ضعيفاً أو متمرداً إن كان قوياً.
إن الضمير اليقظ هو ترمومتر حسن الأخلاق، و إن الدولة الفاضلة ليست أكثر من مواطنين يعيشون بسلام في وطن آمن، و مهما بلغت قوة الدولة فإنها لن تستطيع استخدام القانون لضبط سلوك المواطنين و لكن يبقى للأدوات الثقافية تأثير كبير في صناعة مجتمع صالح و تقويم سلوك الأفراد.
إن استخدام القوة لفرض القوانين لا ينتج مواطنين صالحين، إن تيسير أمور الصلاح هو أنجع أساليب صناعة البشر الأسوياء، و الدولة التي تمنح متوسط دخل لا يكفي لسداد إيجار سكن ثم تطلب من المواطنين مجانبة الفساد لهي دولة مجحفة عاقة لمواطنيها.
و الأسرة الصالحة هي أول من يساهم في بناء ضمير حي لدى أبناءها و من ثم تأتي المؤسسات التعليمية و الاعلام و البيئة المرافقة للإنسان منذُ طفولته حتى يبلغ. و امتلاك ضمير حي يحتاج لتربية حسنة و تدريب شخصي طويل و خوض ابتلاءات التمحيص بثبات, و أكثر ما يختبر به الإنسان ضميره هو في الغيب حيث لا يشاهده أحد.
و من كان له هم في إصلاح شؤون من حوله فعليه أن يراهن على رعاية الضمير.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع