التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ثامن عشر يوم سعادة – رعاية المشاعر


المشاعر تمثل الحالة النفسية التي تعتريك من سعادة و بؤس و فرح و حزن، و العجيب أن العلم يؤكد أن الظروف الخارجية و الأحداث لا تشكل لنا مشاعرنا بقدر ما يؤثر فيها وجداننا، و هذا يؤكد على حقيقة أنك أنت المسئول الأول و الأخير عن سعادتك و تعاستك.
وجرب أن ترتهن مشاعرك لأحداث خارجية مثلاً تحدث نفسك سوف أكون سعيد في حال حصلت على الشيء الفلاني و قد تحصل أنت على هذا الشيء و لا يعتريك أي شعور سعادة. لهذا نقول أن المشاعر لا تكون أبداً نتيجة لظروف خارجية و لكن لوجدان داخلي و نوازع الروح الخفية.
فلو أحاطت بك الكروب و المدلهمات و النكبات و الأزمات و المصائب و النوائب فإنه بإمكانك أن تشعر بالهناء ! نعم يمكنك ذلك.
المشاعر جزء من ذاتك بحلوها و مرها و لديك القدرة على السيطرة عليها في حالة واحدة فقط، إذا استعطت ان تسيطر على حالتك الذهنية و بمسمى آخر (المزاج).
المشاعر السلبية قد تجتاحك نتيجة لمرورك بتجربة ما و تتعلم منها لكن إن تحولت هذه المشاعر لتصنع حالتك الذهنية بشكل سلبي فأنت هنا في مشكلة.
مثلاً قد يجرحك موقف ما من زميلك و تغضب منه و هذا شيء طبيعي لكن أن يتحول هذا السلوك إلى حالة من العدائية و الكره ... فهنا تكمن المشكلة.
و قد تحدث لك مصيبة و يصيبك الحزن و لكن بيديك القرار بعدم الاسترسال مع هذا الحزن و تمكينه من السيطرة على مزاجك.
و للتفريق بين الشعور و المزاج كما يقول الدكتور طارق السويدان:
(الحزن شعور بينما الاكتئاب مزاج، الفرح شعور بينما الاطمئنان مزاج، الغضب شعور بينما الكراهية مزاج، أن تحسد شعور بينما أن تغبط مزاج، الخجل شعور بينما الحياء مزاج، الأمل شعور بينما التفاؤل حالة، الخوف شعور بينما اليأس مزاج، التسليم شعور بينما الإيمان مزاج.
هل عرفتم الفرق؟ المشاعر الجيدة والسيئة تحدث لنا شئنا أم أبينا، وسيطرتنا عليها موجودة لكنها محدودة جداً، وهي تُشكِّل نظراتنا الحسنة والسيئة للحياة إلا إذا كانت لنا حالة ذهنية أقوى من هذه المشاعر، بينما الحالات الذهنية نحن نختارها، ونستطيع السيطرة عليها وتنميتها وتغييرها، وفِي العادة تستمر بشكل دائم أو لفترات طويلة!)
يعني هذا قد تنتابك مشاعر حزن و مرارة و لكن بمقدورك من خلال التحكم بحالتك الذهنية ( مزاجك) أن لا تحيل هذه المشاعر إلى سلوك بؤس و سخط.
و المؤمن قد يحزن على الحرمان من نعمة و هذا شيء طبيعي و الغير طبيعي أن يتحول هذا الشعور إلى حالة من السخط و الاعتراض على قدر الله و حكمته.
و السلوك تؤثر فيه المشاعر و الحالات الذهنية و ليس التفكير.
و الانسان إذا عرف نفسه أكثر أصبح أكثر لياقة في رعاية مشاعره و صناعة مزاج حسن يساعده على العيش في حالة من السلام الداخلي رغم اضطراب الظروف المعيشية الخارجية.
اللهم أنت السلام و منك السلام فارزقنا راحة القلب و سكينة الروح و صفاء الوجدان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع