التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سادس عشر يوم سعادة (أمانيك الجميلة)

لو عاش الانسان كما يتمنى سوف يهلك، سيحل هلاكه و دماره!
فالإنسان على غالب الأحول كائن معجون بالعديد من الجواذب التي تربكه، مركب من عقل و عاطفة و غريزة و شهوات، و له في حياته احتياجات و رغبات.. و لا حد لنهمه و شراهته.
و لا يكتفي الانسان من إرواء غرائزه و إن ما في الدنيا كلها كافي لإشباع حاجات جميع البشر و لا يكفي لإشباع جشع انسان واحد .. و لو وهب للإنسان وادي من ذهب لتمنى أن يكون له واديان.
خلق الله الحياة الدنيا بتوازنات عظيمة تضبط حركة الكون و الموجودات، و قدّر العطاء بحكمة بديعة لا يعلمها إلا هو، و لو أتيحت للإنسان كل مسالك القوة و الاستحواذ لطغي و بغى و لكم رأينا صور من الطغيان الفاحش نتجت عن أناس امتلكوا القوة و النفوذ و سرعان ما انقلبت هذه القوة نكالاً عليهم.
(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)
و رأينا كثيراً العديد من الناس تمنوا أشياء بكل ما امتلكوا من طموح و همة و عند نوالهم لواقع هذه الأماني اكتشفوا أن فيها الكثير من  المضار التي أفسدت عليهم حياتهم و زادت من موارد تعاستهم.
و هذا ما ادركه الناس بعد هلاك قارون الثري (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ)
وصار الذين تمنوا حاله بالأمس يقولون متوجعين ومعتبرين وخائفين من وقوع العذاب بهم: إن الله يقدر الرزق على ما يشاء لعباده، و لولا أن الله منَّ علينا فلم يحقق لنا ما تمنينا لَخسف بنا كما فعل بقارون.
لذلك فليس تحقيق الأماني دوماً في صالحك.
خلق الله الحياة الدنيا دار للابتلاء و وفر فيها كل شروط ابتلاء الإنسان و اختباره، فهي ليست طيعة في يد الانسان و ليس للإنسان فيها صلاحيات مفتوحة للتحكم فيها و السيطرة عليها، و أحداث كثيرة تحدث من وقت لآخر لتثبت للإنسان حقيقة ضعفه فيعاود بعدها لضبط نفسها و عدم الاسترسال مع رغبات النفس.
و الحرمان و الفقد و العوز و  العجز و قلة الحيلة كل هذه النوائب لها دور في تحقيق سنة التدافع و احداث التوازن المنشود لتستقيم الحياة.
و علينا أن نعلم أن كثير من الحرمان و الفقد و المصائب سببها سوء في النفس و ارتكاب مخالفات تتعارض مع سنن الكون و أن الانسان مهما تمنى فلن يتحقق له ما تمنى إلا إذا بذل ثمن هذا التمني و ليس دائماً ، و غالباً التمني يكون له ثمن مرتفع و يتطلب دفع هذا الثمن التضحية بالكثير من محبوبات النفس.
(لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ .....مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ به)
يعيش الانسان في أيامه العادية يأكل وقت ما يجوع و يشرب و قت ما يعطش و يأتي رمضان في وجهه و يطلب منه أن يتوقف عن تلبية كل ما تحتاجه النفس .. ليس لإهانتها و لكن لإكرامها فالإنسان الحصيف يعرف أن للنفس رغبات دافعها افات الهوا و الشهوة فلو استرسل الانسان مع دوافعها لهلك.
و رمضان يؤكد على حقيقة أن رغبات و أماني النفس ليس فيها دوماً النفع الكبير بل أنها أحياناً تقوده للمهالك، و للمنع فلسفة أحياناً لا يطيقها عقل البشر.

فلنرضى و نؤدب نفوسنا و نتمسك بالدعاء لتحقيق الاماني الخيرة بإلحاح لكن دون غصة لتأخرها أو عدم تحقيقها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع