لو عاش الانسان كما
يتمنى سوف يهلك، سيحل هلاكه و دماره!
فالإنسان على غالب
الأحول كائن معجون بالعديد من الجواذب التي تربكه، مركب من عقل و عاطفة و غريزة و
شهوات، و له في حياته احتياجات و رغبات.. و لا حد لنهمه و شراهته.
و لا يكتفي الانسان
من إرواء غرائزه و إن ما في الدنيا كلها كافي لإشباع حاجات جميع البشر و لا يكفي
لإشباع جشع انسان واحد .. و لو وهب للإنسان وادي من ذهب لتمنى أن يكون له واديان.
خلق الله الحياة
الدنيا بتوازنات عظيمة تضبط حركة الكون و الموجودات، و قدّر العطاء بحكمة بديعة لا
يعلمها إلا هو، و لو أتيحت للإنسان كل مسالك القوة و الاستحواذ لطغي و بغى و لكم
رأينا صور من الطغيان الفاحش نتجت عن أناس امتلكوا القوة و النفوذ و سرعان ما
انقلبت هذه القوة نكالاً عليهم.
(وَلَوْلَا دَفْعُ
اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)
و رأينا كثيراً
العديد من الناس تمنوا أشياء بكل ما امتلكوا من طموح و همة و عند نوالهم لواقع هذه
الأماني اكتشفوا أن فيها الكثير من المضار
التي أفسدت عليهم حياتهم و زادت من موارد تعاستهم.
و هذا ما ادركه الناس
بعد هلاك قارون الثري (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ
يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
وَيَقْدِرُ)
وصار الذين تمنوا
حاله بالأمس يقولون متوجعين ومعتبرين وخائفين من وقوع العذاب بهم: إن الله يقدر
الرزق على ما يشاء لعباده، و لولا أن الله منَّ علينا فلم يحقق لنا ما تمنينا
لَخسف بنا كما فعل بقارون.
لذلك فليس تحقيق
الأماني دوماً في صالحك.
خلق الله الحياة
الدنيا دار للابتلاء و وفر فيها كل شروط ابتلاء الإنسان و اختباره، فهي ليست طيعة
في يد الانسان و ليس للإنسان فيها صلاحيات مفتوحة للتحكم فيها و السيطرة عليها، و
أحداث كثيرة تحدث من وقت لآخر لتثبت للإنسان حقيقة ضعفه فيعاود بعدها لضبط نفسها و
عدم الاسترسال مع رغبات النفس.
و الحرمان و الفقد و
العوز و العجز و قلة الحيلة كل هذه
النوائب لها دور في تحقيق سنة التدافع و احداث التوازن المنشود لتستقيم الحياة.
و علينا أن نعلم أن
كثير من الحرمان و الفقد و المصائب سببها سوء في النفس و ارتكاب مخالفات تتعارض مع
سنن الكون و أن الانسان مهما تمنى فلن يتحقق له ما تمنى إلا إذا بذل ثمن هذا
التمني و ليس دائماً ، و غالباً التمني يكون له ثمن مرتفع و يتطلب دفع هذا الثمن
التضحية بالكثير من محبوبات النفس.
(لَيْسَ
بِأَمَانِيِّكُمْ .....مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ به)
يعيش الانسان في
أيامه العادية يأكل وقت ما يجوع و يشرب و قت ما يعطش و يأتي رمضان في وجهه و يطلب
منه أن يتوقف عن تلبية كل ما تحتاجه النفس .. ليس لإهانتها و لكن لإكرامها
فالإنسان الحصيف يعرف أن للنفس رغبات دافعها افات الهوا و الشهوة فلو استرسل
الانسان مع دوافعها لهلك.
و رمضان يؤكد على
حقيقة أن رغبات و أماني النفس ليس فيها دوماً النفع الكبير بل أنها أحياناً تقوده
للمهالك، و للمنع فلسفة أحياناً لا يطيقها عقل البشر.
فلنرضى و نؤدب نفوسنا
و نتمسك بالدعاء لتحقيق الاماني الخيرة بإلحاح لكن دون غصة لتأخرها أو عدم
تحقيقها.
تعليقات
إرسال تعليق