التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مشوشات الإرادة – ثاني عشر يوم إرادة


قوة الإرادة في واحد من أهم معانيها أن يعمل الإنسان ما يجب عليه فعله حتى و إن كان هذا العمل غير محبب للنفس، و أن يترك ما يجب عليه تركه حتى و إن كان هذا العمل محبب للنفس. كثيراً ما يشبه علماء النفس الإرادة الإنسانية بالعضلة، تقوى و تضعف و يؤثر عليها التعب و ينميها التمرين و التدريب و الممارسة المستمرة.
يقول إمامنا ابن قيم الجوزية: “الحب و الإرادة أصل كل فعل و مبدؤه, و البغض و الكراهة أصل كل ترك و مبدؤه, و هاتان القوتان في القلب أصل سعادة العبد و شقاوته”
فإن أكثر باعث على الفعل هو الحب، و أكثر مانع عن الفعل هو البغض، و المشكلة إن تكون عاطفة الإنسان معطوبة فيحب ما يهلكه و يبغض ما ينفعه، يجب عليه هنا إعادة صياغة تركيبته العاطفية لتستقيم إرادته.
و بهذا فإن أول مشوشات الإرادة العاطفة المغشوشة، و علاجها بتحسين جودة و تلقي معلومات سليمة و الحرص على ضبطها و ليس كبتها، فكبت المشاعر أحد أكبر موهنات الإرادة. و الحزن الشديد و التشاؤم يهلك الإرادة و يقتل العزيمة، و الحزن و التشاؤم من منشئات العاطفة المغشوشة.
و من مشوشات الإرادة إرهاق الذات باتخاذ قرارات يومية عديدة و كثيرة في أمور غير مهمة، حتى يجابه الإنسان تحديات تستحق المعالجة فيكون خائر القوى بسبب استهلاك القرارات العديدة التافهة لإرادته و قدراته الذهنية.
معاشرة بشر لا يطيقهم أو تأدية عمل تكرهه النفس يستنفذ كل مخزون الإرادة لدى الإنسان، فلو اضطر أن يقضي نهاره كاملاً حابساً كلماته و ساجناً لمشاعره في حضرة من لا يطيق، يأتي آخر اليوم و كأنه قضى اليوم بأكمله في الركض و الحفر في الحجر.
عدم النظام و الترتيب في أنماط الحياة و العيش بفوضى و عدم ترتيب يوهن قوى الإرادة، عدم تنظيم موعد تناول الطعام، قلة النوم و السهر، التوتر الشديد و العيش في مهاترات مع الالتزامات كل ذلك يستنزف الطاقة و يهد صروح الإرادة.
إن للإرادة مثبطات كما أن لها دوافع و متى ما عرف الإنسان ما يحفزها و ما يثبطها استطاع أن يتعامل معها بالشكل الصالح له.
اللهم إن نفسي سائرة في بحار طوفان الإرادة، حيث لا ملجأ و لا منجا إلا إليك، فاجعل اللهم بسم الله مجراها  و مرساها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع