التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حسن الاختيار – ثالث يوم الإرادة


أنت تختار في لحظة واحدة، لكن عواقب الاختيار يتجاوز العمر.
أن ترفض الإهانة و تنتصر لكرامتك أو تهين نفسك في سبيل القليل من المال؟ النوم في الوقت المحدد و الاستيقاظ نشيطاً مبكراً أو السهر و الخمول في النهار؟ أن تقضي وقتك الفائض في القراءة أو حضور دورات تدريبية أو مشاهدة التلفاز و ارتشاف كوب قهوة مع الأصدقاء؟ أن تستسلم للصعوبات و ترضخ لضغوطات السلامة أو  ترفض التنازل و تكافح من أجل أن تنال ما تستحق؟ أن ترضى لنفسك الإسلام أو تسلمها لمسالك الضلال؟
اختيار شريك حياة سيء قد يدمر حياتك و آخرتك، و اختيار تخصص جامعي و وظيفي سيء يدمر مستقبلك المهني.
لا يستغرق الأمر سوى لحظة قصيرة لاختيار الشيء الصحيح و الذي يؤثر على مستقبلك إيجاباً أو اختيار الشيء الخطأ و تعرض نفسك و مستقبلك للخطر. يبدو أنه اختيار تافه اليوم و لكن يمكن أن يكون له تأثير كبير و مستمر على مستقبلك.
في كل مرة تواجه فيها خياران قد تراهما عاديان و ليس لهما أي تأثير في اللحظة الراهنة لكن عليك أن تتذكر أنه يمكن لهما أن يؤثرا على محطات مهمة في حياتك المستقبلية.
لا أنسى و أنا في عمر 16 سنة وسوس لي أحدهم لإصدار بطاقة شخصية و ودفع مبلغ اضافي للجهة المتخصصة بإصدار البطائق ليضيفوا إلى عمري سنتين و استوفي بذلك شروط الحصول على البطاقة. هذا الاختيار الذي كان جميلاً في حينه، فوت عليّ العديد من الفرص و تسبب لي بالعديد من الخسائر في مجالات عديدة. و ما زلت أتجرع مرارة الخطأ حتى اليوم.
في كل يوم نحن نتخذ المئات من القرارات، بعضها بسيط جداً و اعتيادي، كتلك التي تخص متى نستيقظ، ماذا نلبس، ماذا نأكل. في المقابل نواجه قرارات معقدة و صعبة و تتطلب موازنات و اختيار بين بدائل غير مناسبة. و هنا يكمن معقد البلاء.
و الاختيارات أنواع، نوع قائم على دراسة المزايا و العيوب لكل اختيار، و نوع على أساس المنافع العائدة، و نوع قائم على التفضيل الشخصي و توصيات الآخرين.
و أفضل الاختيارات تلك التي تنبع من قيمنا و مبادئنا و عقيدتنا.
و وفرة الخيارات و عرضها في نفس الوقت يحسن من جودة الاختيار، فلو أن رجلاً هم بشراء كاميراً و تم عرض أنواع الكاميرات في وقت واحد فإن اختياره سيكون أفضل و أجود من اختياره لو عرضت كل كاميرا على حدة.
إن أفضل اختيارات الإنسان تكمن في اصغائه لصوت الحياة الصادق، فيتفكر و ينظر في الكون و يتعرف على أسراره، و سوف يرى بكل شيء ملامح الخالق العظيم.
و إن أسوء ما يختاره الإنسان على الإطلاق أن يكون منافقاً، فالمنافق تموت فيه قابلية الشعور بالخطأ و فداحة الجرم، و تتولد لديه قدرة على التلون، اظهار أمر و إخفاء غيره، يحدث ذلك عندما تتولد فيه خليط من المعتقدات التي لا يريد مفارقتها، و لديه مصالح يخاف زوالها، ولديه أهداف يسعى إليها، و يشعر بأن عنصر القوة ليس بيديه، و يشعر بالعجز عن الاستمرار في مخططه إلا بالنفاق. هذا الاختيار يجعل الإنسان يسلك طريقاً خاطئاً و يسد أذنيه عن الحق الواضح، و يفقد منطقه و سويته النفسية، و يمارس سلوكاً مزدوجاً. د. جاسم سلطان.
إن جودة الحياة التي تعيشها تخضع بشكل مباشر لنوعية الاختيارات التي تتخذها في فترات حياتك المبكرة.  
صاحب الإرادة يُحسن الاختيار و في كل شؤنه له رؤية و روّية عند التفضيل و له توفيق يرافقه في كل مراحل اختياراته.
لا يحسن الاختيار لغيره من لا يحسن الاختيار لنفسه.
اللهم إني أسألُك مِن خَيرِ ما تَعلَمُ، وأعُوذُ بِك من شَرِّ ما تَعْلَمُ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع