التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الالتزام و أثره في الحياة – سادس عشر يوم سعادة


يشير الالتزام إلى التحكم الذي تمارسه على نفسك، أي السيطرة إلى حد ما على عواطفك و سلوكياتك و تصرفاتك و أفكارك و بالتالي تنظم و ترتب حياتك. و ذلك يعني تجنب التجاوزات الغير صحية و الغير صحيحة لكل شيء و التي يمكن أن تؤدي إلى عواقب سلبية على ذاتك و حياتك. عندما تكون ملتزم، يمكنك التحكم في دوافعك و حوافزك الذاتية للانغماس في أي نشاط غير صحي أو غير بناء يمكن أن يؤثر على أداءك أو انتاجيتك، و بالتالي تلتزم بشكل أفضل بمهامك و مسيرتك.
الالتزام هو القدرة على التحكم في أي نبضة ضارة أو غير ضرورية، و التغلب على التسويف و الكسل و الوصل إلى حسم الأمور من خلال اتخاذ قرار سريع. ثم يتبع كل ذلك المثابرة حتى يتماثل لك النجاح. و يمكن أن نرى الالتزام على أنه التغلب على المقاومة الداخلية المتمثلة بالهوى و العواطف و مقاومة العقل لاتخاذ اجراءات.
نحن نحتاج قوة الإرادة لكي نبدأ و نحتاج إلى الالتزام لكي نستمر بما بدأنا به. قوة الإرادة تجعلك تبدأ و الالتزام و الانضباط يضمنان لك الاستمرارية حتى النهاية. يمنحك الالتزام القدرة على التحمل في كل ما تفعله. تحمل الصعوبات بشتى أنواعها. و يعينك على رفض الاشباع العاجل من أجل تحقيق منفعة أكبر لاحقاً.
برغم أن الالتزام عنصر مهم يجب أن يكون جزء أصيل من شخصية أي إنسان، لكن للأسف العديد منا يفتقد له و نلقى أنفسنا بعيدين كل البعد عن التحلي به. و السؤال الذي يضع نفسه هما مال الذي يجعلك تفضل مشاهدة التلفاز عن الذهاب لممارسة الرياضة أو فتح كتاب معرفي هادف، بينما أنت توقن أن الرياضة و القراءة نافعة و رافعة لذاتك و وجودك و أنت بنفسك تشعر بالفارق بعد الانتهاء من ممارسة الرياضة أو قراءة كتاب نافع و كيف ينعكس ذلك النشاط بالإيجاب على جوانب عديدة في حياتك.  ما الذي يجعل تحدي الكسل ، و التوقف عن الشراهة في الأكل و التدخين صعباً بالنسبة للكثيرين بالرغم أن ذلك يؤثر بشكل مباشر على سلامة و عافية الحياة التي يعيشها.
الجواب السريع الذي يطرأ على الذهن مباشرة هو بسبب فقدان الالتزام في الحياة، لكن السؤال الصعب الذي أود أن أضعه لك لماذا تفتقر أنت للالتزام؟
جميعنا يقول لنفسه أتمنى أن أمتلك الجدية التي سوف تحسن من مستوى الحياة التي أعيشها. لكن ما نجهله أن الالتزام سمة لا تولد معنا، و لكن تحتاج عمل و جدية حتى نمتلكها. اشتغل على نفسك صح، و لازم تبذل جهد مضاعف لاكتسابها.
و في ذلك يقول ابن الجوزي: شجر" المكـاره" يثمر المكارم والجِدّ جناح النجاة.
من المعاني التي أود توضيحها أن الالتزام في الحياة لا يعني الصرامة و لا التعقيد و الملل و العيش بملل و كآبة. الالتزام يعني أن تعيش الحياة بمسئولية.

إلهي قد عجزت قدرتي و قلت حيلتي و ضعفت إرادتي و بعدت أمنيتي، و أنت ملجأي و وسيلتي و إليك أرفع بثي و حزي و شكايتي فارفع عني ملمتي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع