التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التعامل مع البدايات المحرجة – خامس عشر يوم إرادة


و لأن البدايات دائماً صعبة يجنح الإنسان إلى التأجيل و التسويف كهروب من عواقب البدايات المتمثلة بالشعور بعدم الراحة و القلق، و قد يصل الأمر أحياناً إلى الشعور بألم حقيقي عند التفكير ببدايات المهام.  عندما تفكر بقراءة كتاب بعد أن تكمل مهامك الوظيفية أو الدراسية سوف تشعر بألم حقيقي، عندما تفكر أن تذهب إلى ممارسة الرياضة مساءً تشعر بألم حقيقي، عندما تفكر في الشروع في المذاكرة تشعر بألم حقيقي، أنا لا أمزح دراسات عديدة أكدت هذه الحقيقة من خلال وضع جهاز استشعار على أدمغة مجموعة من البشر و طلب منهم أن يفكروا بالقيام بأداء مهمة مزعجة وجدوا أن منطقة الألم في دماغ المشاركين في الدراسة أنارت.
لذلك لا تنزعج من الألم الذي يصيبك أثناء تفكيرك في تأدية الأمور الواجبة و النافعة فهذا الألم دليل على أنك إنسان طبيعي. و بناءً على ذلك أيضاً لا عجب أن يقع العديد من الناس بإثم التسويف و التأجيل مراراً و تكراراً و ذلك لأنه لا يوجد إنسان يحب الشعور بالألم.
و المهمة هنا هو أن تصنع لك إرادة قاهرة تغلب هذا الألم و تعينك على تخطي حواجز البدايات المحرجة. أن تصل بنفسك إلى المرحلة التي تفكر فيها بالمهام الصعبة و لا تجابه أي مشكلة،  و كما نعلم أنها ليست مشكلتنا أن نشعر بألم عند التفكير بتأدية المهام الصعبة لكنها مسئوليتنا أن نتعلم كيف نتعامل مع هذا التحدي.
أكثر الناس الناجحين الذين عرفتهم بحياتي يمضون بصرامة نحو تأدية المهام المهمة و الصعبة في حياتهم مع انفاق وقت قليل في التردد و مقاومة ألم البدايات الصعبة.
هل تعرف ماذا يفعلون لتجاوز هذا التحدي؟
إنهم فقط يبدأوا في فعل ما عليهم فعله فور استشعارهم لوجوب تأدية ذلك رغم كل الآلام التي تتماثل أمامهم فلا شيء أخطر عليهم – حسب وجهة نظرهم - من التسويف.  
التركيز على الخطوة الأولى مهم جداً، البعض يميل للنظر إلى أبعد من ذلك، و بُعد النظر هذا في البدايات يجعل المهمة مهمات و الخطوة خطوات فتثقل النفس. و يقينياً أن لا عمل سوف ينجز إذا لم نبادر و نبدأ بإنجازه.
و خفض مستوى التوقعات إن كانت سلبية أو ايجابية يساعد أيضاً في تخطي حاجز الشروع في العمل، و في كل حال التوقعات العالية جداً ضارة.
و لا ننسى أن البدايات المرهقة تفضي إلى نهايات مشرقة.
ربَّ إني أشكو إليك تلون حالي و توقف سؤالي يا من تعلقت بلطيف كرمه و جميل عوائده.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع