التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التسامي – تاسع يوم إرادة


قيل قديماً: حب الهوينا يُكسب الذلّ, وحب الكفاية مفتاح العجز.
و الهوينا الحركة الثقيلة و الرتم البطيء، و الكفاية الاكتفاء و الرضا بالوضع الراهن وعدم الرغبة في الارتقاء.
التسامي أن يكون لديك همة عالية تناطح بها ظروف الحياة الصعبة و تصنع لك حياة ترضاها لطموحك و أحلامك.
و مشكلة بعض الشباب المسلم اليوم أنه يعيش حياته سبهللة لا ناجح في الدنيا و لا فالح في عمل آخرة، و قد يكون أسباب ذلك ضعف الهمة و تواضعها و الرضا بالحياة العادية و الاكتفاء بالسلامة و الراحة على تقديم عمل مؤثر يساهم في نهضة الأمة و تحسين حياة الناس.
المسلم مكلف بخلافة و تعمير و للأسف نرى اليوم همه تحول لهم بهائمي يدور حول ما يأكل و ما يلبس و ما يشرب، و أقصى إنجاز يحققه الشاب أن يتخرج من الجامعة أو يتزوج.
و قال الإمام الشافعي: إني لأبغض الرجل أراه مشغول في أمر لا ينفعه في دينه ولا في دنياه.
و اليوم نرى العجب العجاب في حياة الكثير من الشباب الذي يقضي نفائس وقته في رقاد و لهو و عبث و قليل من التعليم البسيط،و يجهل الشاب في مقتبل عمره أن وقته أثمن ما يملك.
كيف أكون عالي الهمة و احقق التسامي:
أولاً بالتعليم الذاتي: اكمال الدراسة حتى الوصول للدكتوراه، في الماضي كان لشهادة البكالوريوس قيمة في السوق المهني و غالباً من يمتلكها يحصل على وظيفة، اليوم شهادة الماجستير قيمتها مثل قيمة الشهادة الثانوية في الوقت الفائت. و يدخل من ضمن التعليم القراءة الهادفة و ليس قراءة المتعة و التسلية، و يدخل أيضاً الاستماع للمحاضرات و مشاهدة البرامج التعليمية، و حضور الدورات التدريبية القيمة.
ثانياً: الطموح الملتهب
كن رجلاً رجله في الثرى وهمه في الثريا، الهمة إذا تعلقت بشيء أقلقت صاحبها و لا تقبل منه المهلة و لا تمالكه صبره. و ما تقف همة إلا لخساستها، و إلا فمتى علت الهمة فلا تقنع بالدون.
يقول النبي صلى الله عليه و سلم : لِكُلِّ عملٍ شِرَّةٌ، ولِكُلِّ شرَّةٍ فَترةٌ.  الشرّة: النشاط والهمّة , والفترة: الضعف والانكسار.
طبيعي أن تحصل فترات خمول للإنسان لكن المهم أن لا تطول و لا بد أن يكون للفتور حد أدنى لا نتجاوزه: عقيدة لا تنحرف – الفروض لا تترك – و الكبائر لا يقترب منها .
إن عظيم الهمة لا يقتنع بملء وقته بالطاعات ، وإنما يفكر أن لا تموت حسناته بموته. د. عبد الكريم بكار
و الإنسان إذا ربط قلبه بغايته فإنه لا يحتاج إلى تحفيز خارجي.
يقول ابن القيم رحمه الله: لابد للسالك من همة تسيِّره وترقيه, وعلم يبصِّره ويهديه.
و تذكر وعد الله لك: و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.

اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الهمِّ والحَزَنِ ، والعَجزِ والكسَلِ ، والجُبنِ والبُخلِ ، وضَلَعِ الدَّينِ ، وغَلبةِ الرِّجالِ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع