التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عابر حياة – ثامن عشر يوم إرادة


 استيقظت اليوم على خبر وفاة أحدهم، كان شاباً في مقتبل العمر بصحة وافرة و فجأة امتلك اسباب الرحيل، و شعرت أن الإنسان يحتاج إلى تأكيدات يومية تثبت زوال هذه الحياة، و تثبت لنا حقيقة وجودنا المؤقت على هذا المسار الزمني الطويل كما أظن.  غداً أموت و مالي أنكر هذه الحقيقة بكل ما أوتيت من حياة رغم يقين نفسي بها، نغرق في دوامة مفرغة من المشاغل التي تجعل عقولنا تذهل عن حقيقة الحياة التي نعيش فيها. بداية الحكمة أن يعرف الأنسان حقيقته و تنتهي الحكمة على أعتاب الآخرة، و أي حكمة لدى من لا يظن حتى ظناً أن لهذه الحياة و ما فيها صانع و أن لهذه الحياة المليئة بالظلم فصل آخر توضع فيه الموازين بالقسط و يجازى كل إنسان بما عمل.
ما الذي يجعل حياتنا أفضل أليس يقيننا بأنها زائلة، أليس إيماننا بأن هناك رب سوف يحاسب و يقاضي و يعدل في حكمه، و له القوة المطلقة على كل شيء و هو فوق كل ذلك عليم خبير بأدق التفاصيل و أصغرها، أليس وجود هذا الإله رادع لكل جبار و طاغية، ماذا لو وجد هذا الإله العظيم القوي في قلوب كل الناس و استشعروا أنه سوف يحاسبهم على ما فعلوه، هل ستكون تصرفاتهم مشينة كما هي الآن.
لو تمكن الخوف من الله في قلوب الجبابرة لما رأينا ظلماً متفشي، لكن عندما يستشعر الإنسان عظمته و تميزه عن غيره من الناس تبزغ الشرور في قلبه و لهذا كان داء الكبر من أقبح الأمراض التي تجعل ذات الإنسان تتضخم و تأخذ حجم لا يتناسب معها، فيرى الإنسان نفسه كبيراً إلى الحد الذي يدفعه لسحق غيره.
و الكبر داء ينشئه الجهل كما ينشئ كل نوازع الشر، فلو يعلم الإنسان المتكبر حقيقة إنسانيته و مكامن الضعف فيها لما تكبر و تجبر و طغى و بغى و نشر الشر و الفسق في ارجائها و سحق الضعيف، لذا كان العلم السمة البارزة لآدم كما أكد بذلك الله للملائكة في قصة الخلق القرآنية، فبالعلم يمكنه أن يتغلب على كل نوازع الشر.
لو علم الإنسان أنه عابر و زائل مع كل ما يجمعه و يملكه سيكون حاله أفضل مما هو عليه الآن، و سوف يصنع لنفسه إرادة حية نحو الخير و يمنع نفسه عن مواطئ الشر ويصبح أكثر صلاحاً و راحة.

يا رب يا من لا يشبهك شيء اصرف عن ضر كل شيء و سهل لي و بارك لي في كل خطوة تقودني إليك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلامة النية - أول يوم إرادة

و نبدأ رحلتنا في الحديث عن الإرادة بالحديث عن إصلاح النية التي بصلاحها تصلح الإرادة و بفسادها تفسد. لو دخل الإنسان فندقاً و رأى كأساً ممتلئ و ظنه خمراً و نوى شربه و بعد ان شربه اكتشف انه ماء كتب له بنيته أثم شرب الخمر. و العكس صحيح. و النية أكثر ما يجب على المسلم أن يعمل على تصويبها لتصبح خالصة، فالعمل دون نية خالصة عناء و هباء: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا. قل لمن لا يخلص: لا تتعب. يقول الله في الأثر: عبدي طلبت منك قلبك، و وهبت لك كلك، عبدي كلٌ يريدك له، و أنا أريدك لك. الله يعاملنا بما وقر في قلوبنا، و النية مقرها القلب، و القلب لا يتقيد و لا تكتمل السيطرة عليه، و لذلك سُمّي قلباً لأنه يتقلب. و يقول الرافعي: إنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية . و النية: التوجه الروحي و الحضور القلبي عند مباشرة أي عمل، و ليست النية طلباً للأجر، و لكن طلباً للمرضاة و القرب. النية استحضار القلب في اللحظة الآنية، وخلاصة ما يميز أصحاب النوايا: عمل ما يجب بحب. قال الله تعالى: (منكم من يريد الد

محركات الإرادة – ثامن يوم إرادة

تتحرك الإرادة في حالة وجود قضية يؤمن بها صاحب الإرادة، أو في حالة وجود مواعيد لإتمام المهام أو الأهداف، أو أن يحيط الإنسان نفسه بأصحاب إرادة فذة. ثلاثية تحرك الإرادة و تلهبها. أن تعيش لقضية يعني أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها، تشغل فؤادك و لبك و قلبك و تملئ عليك وقتك عملاً و هماً و أملاً و تخطيطاً و تدبيراً و رسم للمستقبل، قضيتنا نحن المسلمين تتمثل في نشر التوحيد للناس، من خلال تمثيل الدين على أحسن وجه، و أن نكون نماذج جذابة لمن يرانا و يتعامل معنا، قضيتنا أن يسود السلام العالم بنشر قيم الدين السمحة، قضيتنا أن نخفف معاناة الناس و نحسن جودة حياتهم من خلال تعاليم الدين التي توصي كل إنسان على أخيه الإنسان أن لا يظلمه و لا يبغي عليه و لا يخونه و لا يغشه و لا يكذب عليه، قضيتنا أن ينتشر الحق و تتحقق العدالة و يحظى كل إنسان بحريته التي كفلها له الدين و الله. و كيف تتحرك إرادة من لا قضية له. و العيش ضمن خطط عمل قصيرة و طويلة المدى و وضع أهداف مزمنة لتحقيقها، يضغط على الإنسان لتتحرك إرادته في استثمار وقته و جهده و طاقته في أداء ما عليه من مهام موصلة لأهدافه، إن العيش من غير هدف يعني

سجن الهوية

  سجن الهوية عندما كنت صغيراً تعلقت كثيراً برياضة كرة القدم، خصصت لها الوقت الطويل والجهد الكبير، حتى أني في ذات مرة رأيت أرض واسعة مفتوحة فيها العديد من الأحجار والنفايات والأشواك، فقمت بتجهيزها وتنظيفها لأيام طويلة لتصبح مناسبة للعب مباراة كرة قدم لفريق كامل، أصبحت هذه الأرض ملعباً لفترة وجيزة لبعض الشباب ولم أستطع أن ألعب فيها إلا مباراة واحدة، اليوم هذه الأرض الشاسعة تحوي بيتاً واسعاً وفخماً. كنت أفكر بكرة القدم وأشعر بها وأحلم بارتداء أحذية وملابس المشاهير من اللاعبين آنذاك مثل مارادونا وروماريو ورونالدوا والكابتن ماجد والكابتن رابح، إلا أنني بالحقيقة لم أكن أُحسن ممارسة كرة القدم، ومرات قليلة هي التي لعبت فيها مباريات كاملة، والذكرى الوحيدة المتبقية لي منها هي الركلة الشديدة التي تلقيتها على وجهي من أحد الشباب الذي مصادفةً رأيته قبل يومين بينما أنا أنفذ برنامج تدريبي في أحد الأماكن المخصصة لرعاية المناسبات.. ذكرت هذه القصة بعد رؤيتي لذلك الشخص وأنا أمارس مهنة التدريب. كان هناك سؤال واحد منعني من غض الطرف عن ممارسة الرياضة التي كنت فاشل فيها؛ السؤال هو "إذا لم أكن لاع